صفحة جزء
7073 7074 ص: حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : ثنا يونس بن محمد ، عن مفضل بن فضالة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر - رضي الله عنه - قال : " أخذ النبي -عليه السلام - بيد مجذوم ، فوضعها في القصعة ، وقال : بسم الله ، ثقة بالله وتوكلا على الله " .

حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : ثنا إسماعيل بن مسلم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن رسول الله -عليه السلام - مثله .


ش: هذان طريقان :

الأول : غريب : عن فهد بن سليمان ، عن أبي بكر بن أبي شيبة -واسمه عبد الله بن محمد الحافظ الكوفي شيخ الشيخين وأبي داود وابن ماجه ، عن يونس بن محمد بن مسلم البغدادي المؤدب -روى له الجماعة - عن مفضل بن فضالة أبي مالك البصري ، فيه مقال ; فعن يحيى : ليس بذاك ، وعن ابن المديني : في حديثه نكارة ، وذكره ابن حبان في "الثقات " .

عن حبيب بن الشهيد الأزدي البصري ، روى له الجماعة .

وأخرجه الترمذي : ثنا أحمد بن سعيد الأشقر وإبراهيم بن يعقوب ، قالا : ثنا يونس بن محمد ، قال : ثنا المفضل بن فضالة . . . . إلى آخره نحوه متنا وسندا ، غير أن في لفظه : "فأدخله معه في القصعة " قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يونس بن محمد ، عن المفضل بن فضالة ، هذا شيخ بصري ، والمفضل بن فضالة آخر ، شيخ مصري أوثق من هذا وأشهر .

[ ص: 91 ] وأخرجه أبو داود وابن ماجه أيضا .

الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري قاضي البصرة وشيخ البخاري ، عن إسماعيل بن مسلم المكي ، فيه مقال ; فعن أحمد : منكر الحديث . وعن ابن معين : لا شيء . وعن ابن المديني : ليس بشيء .

وهو يروي عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - .

قوله : "بيد مجزوم " وهو الذي أصابه الجذام ، قال ابن سيده : سمي بذلك ; لتجذم الأصابع وتقطعها ، ورجل أجذم ومجذم : نزل به الجذام ، وقالت الأطباء : الجذام علة تحدث من انتشار السواد في جميع البدن ، فيفسد مزاج الأعضاء وهيأتها وربما تقرح .

فإن قيل : قد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام - : "فر من المجذوم فرارك من الأسد " .

وأخرج أبو نعيم أيضا من حديث أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام - قال : "اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد " .

وفي حديث ابن عباس عنه -عليه السلام - : "فروا من الأجذم كما تفرون من الأسد " ، وفي رواية : "لا تديموا النظر إلى المجذومين " .

وأخرج ابن حبان من حديث عمرو بن الشريد ، عن أبيه "كان في وفد ثقيف رجل مجذوم ، فأرسل إليه النبي -عليه السلام - : إنا قد بايعناك فارجع " .

[ ص: 92 ] وأخرج أبو نعيم أيضا من حديث الحسن بن عمارة ، عن أبيه ، عن أبي أوفى ، أن رسول الله -عليه السلام - قال : "كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين " .

وأخرج ابن ماجه من حديث فاطمة بنت الحسين ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تديموا النظر إلى المجذوم " .

وفي رواية عن فاطمة ، عن أبيها ، عن علي ترفعه ، فذكره .

فهذه كلها تعارض حديث جابر - رضي الله عنه - .

قلت : لا نسلم ذلك ; لأمور :

الأول : أن حديث جابر لا يقاوم الأحاديث المذكورة ، والمعارضة لا تكون إلا مع التساوي .

الثاني : على تقدير الصحة أن أخذه بيده ، وقوله : "كل بسم الله " ليس فيه أنه أكل معه ، وإنما أذن له ولم يأكل هو -عليه السلام - . ذكره الكلاباذي .

الثالث : على تقدير أكله معه ; أراد أن يعلم أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ، ولكن الله تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه ، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب ; ففي حديث جابر ونحوه نفي ما كان يعتقده الجاهلي ، وأن ذلك يعدي بطبعه ، ولهذا قال في حديث آخر : "فمن أعدى الأول " وفي حديث أبي هريرة ونحوه أعلم أن الله جعل ذلك سببا لذلك ، فحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله تعالى ، أو يكون قاله لمن ضعفت نيته ، وحديث جابر يكون في حق من قويت نيته وزاد يقينه ، فيخاطب -عليه السلام - كل إنسان بما يليق حاله ، وهو -عليه السلام - يفعل الحالتين معا ، تارة بما فيه التسوية والتشريع ، وتارة بما يغلب عليه من القوة الإلهية ، وزعم النظام أن قوله : "فر من

[ ص: 93 ] المجذوم
" معارض لقوله : "لا عدوى" قال أبو بكر محمد بن الطيب : هذا جهل وحيف من قائله ; لأن قوله : "لا عدوى " مخصوص يراد به شيء دون شيء ، وإن كان الكلام ظاهره العموم فليس بمنكر أن يخص العموم بقول آخر ، أو استثناء فيكون قوله : "لا عدوى " المراد به إلا الجذام والبرص والجرب فكأنه قال : لا عدوى إلا ما كنت بينته لكم أن فيه عدوى فلا تناقض حينئذ .

وقال الطبري : اختلف السلف في صحة هذا الحديث -أي حديث : "فر من المجذوم فرارك من الأسد" - فأنكر بعضهم أن يكون -عليه السلام - أمر بالبعد من ذي عاهة جذاما كان أو غيره ، قالوا : قد أكل مع مجذوم وأقعده معه ، وفعله أصحابه المهديون ، روى عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه : "أن وفد ثقيف أتوا أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فأتى بطعام فدعاهم ، فتنحى رجل ، فقال : ما له ؟ قال : مجذوم ، فدعاه وأكل معه " . وكان ابن عمر وسلمان - رضي الله عنهم - يصنعان الطعام للمجذومين ويأكلان معهم ، وعن عكرمة : "أنه تنحى من مجذوم ، فقال له ابن عباس : لعله خير مني ومنك " .

وعن عائشة : "أن امرأة سألتها . أكان رسول الله -عليه السلام - قال : فروا من المجذومين فراركم من الأسد ؟ فقالت عائشة كلا والله ، ولكنه قال : لا عدوى ، قال : فمن أعدى الأول ، وكان مولى لنا أصابه ذلك الداء ، فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي " .

قالوا : وقد أبطل -عليه السلام - العدوى .

وقال آخرون : الخبر صحيح ، وقالوا : أمره -عليه السلام - بالفرار منه لنهيه عن النظر إليه .

وقال محمد بن جرير : الصواب عندنا ما صح أنه لا عدوى وأنه لا يصيب نفسا إلا ما كتب عليها من الله ، لا ينبغي لذي صحة الدنو من الأجذم وذي العاهة التي يكرهها الناس لا أن ذلك حرام ، ولكن حذرا من أن يظن الصحيح إذ نزل به الداء أن ذلك أصابه لدنوه منه ، فيوجب له ذلك الدخول فيما نهى عنه وأبطله من أمر الجاهلية في العدوى ، وليس في أمره -عليه السلام - بالفرار من المجذوم خلاف لأكله معه ;

[ ص: 94 ] لأنه كان يأمر بالأمر على جهة الندب أحيانا ، وعلى وجه الإباحة أحيانا ، ثم يترك فعله ; ليعلم أن نهيه لم يكن على وجه التحريم .

التالي السابق


الخدمات العلمية