صفحة جزء
7091 7092 7093 7094 7095 7096 ص: فإن قال قائل : فقد قال رسول الله -عليه السلام - : "الشؤم في الثلاث " .

قيل له : قد روي ذلك عن النبي -عليه السلام - على ما ذكرت :

حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، : قال : أخبرني يونس ، ومالك ، عن ابن شهاب ، عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر ، عن رسول الله -عليه السلام - قال : " إنما الشؤم في ثلاثة : في المرأة والدار والدابة " .

حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا القعنبي ، قال : ثنا مالك ، عن ابن شهاب . . . . فذكر بإسناده مثله .

[ ص: 110 ] حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن ابن شهاب . . ... ، فذكر بإسناده مثله .

حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا أبو اليمان ، قال : أنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سالم ، أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله -عليه السلام - يقول : . . . . فذكر مثله .

حدثنا يزيد ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرني عتبة بن مسلم ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن رسول الله -عليه السلام - مثله .


ش: تقرير السؤال أن يقال : إنكم قلتم : إنا منعنا من الأسباب التي تكون عنها الطيرة مطلقا ، وقد جاء عن النبي -عليه السلام - أنه قال : "الشؤم في الثلاث وهي : المرأة والفرس والدار " فلم تكن الطيرة منفية من كل وجه .

والتحقيق في الجواب ما أذكره لك ; لأن الطحاوي ما أمعن فيه ، فيقول : إن النبي -عليه السلام - نهى عن الطيرة مطلقا وعدها من الشرك ، ثم قال : إن كان الشؤم -وهو التطير - ففي ثلاث ، يعني لو كان الشؤم يكون في شيء من اعتقادكم بهن لكان في هذه الثلاث ولم يكن في هذه الثلاث شؤم ، فلا يكون في شيء شؤم ; فافهم .

والدليل على صحة هذا الكلام : أنه -عليه السلام - لم يخبر أن الشؤم حاصل في هذه الثلاث ، بل قال : "إن كان الشؤم ، ففي ثلاث " .

فإن قيل : ما تقول في رواية : "إنما الشؤم في ثلاثة " وقد أخبر بطريق الحصر أن الشؤم موجود في ثلاثة أشياء ؟ .

قلت : هذا ليس على ظاهره ; وقد كان ابن مسعود يقول : "إن كان الشؤم في شيء فهو فيما بين اللحيين -يعني اللسان - وما شيء أحوج إلى سجن طويل من لسان " .

وإنما قلنا : إنه متروك الظاهر ; لأجل قوله -عليه السلام - : "لا طيرة" وهي نكرة في سياق النفي فتعم سائر الأشياء التي يتطير بها ، ولو قلت : الكلام على ظاهره لكانت هذه الأحاديث ينفي بعضها بعضا ، وهذا محال أن يظن بالنبي -عليه السلام - مثل هذا الاختلاف من النفي والإثبات في شيء واحد ووقت واحد .

[ ص: 111 ] والمعنى الصحيح في هذا الباب نفي الطيرة بأسرها بقوله : "لا طيرة" وهو أشبه بأصول شريعة النبي -عليه السلام - من حديث الشؤم ، ألا ترى أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تنكر حديث الشؤم وتقول : إنما حكاه رسول الله -عليه السلام - عن أهل الجاهلية وأقوالهم فيكون قوله -عليه السلام - : "إنما الشؤم في ثلاثة " بطريق الحكاية عن أهل الجاهلية ; لأنهم كانوا يعتقدون الشؤم في هذه الثلاث ، لا أن معناه أن الشؤم حاصل في هذه الثلاث في اعتقاد المسلمين . وكانت عائشة - رضي الله عنها - تتقي الطيرة ولا تعتقد منها شيئا حتى قالت : لنسوة كن يكرهن الابتناء بأزواجهن في شوال : "ما تزوجني رسول الله -عليه السلام - إلا في شوال ، ولا بنى بي إلا في شوال ، فمن كان أحظى مني عنده ؟ وكان يستحب أن يدخل على نسائهن في شوال " .

وعن أبي حسان : "أن رجلين دخلا على عائشة - رضي الله عنها - وقالا : إن أبا هريرة يحدث عن النبي -عليه السلام - أنه قال : إنما الطيرة في الفرس والمرأة والدار ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض ، ثم قالت : كذب والذي أنزل الفرقان على من حدث عنه بهذا ، ولكن رسول الله -عليه السلام - كان يقول : كان أهل الجاهلية يقولون : الطيرة في المرأة والدار والدابة ، ثم قرأت عائشة - رضي الله عنها - : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب " .

وهنا جواب آخر : وهو أنه قد يحتمل أن يكون قوله -عليه السلام - : "الشؤم في ثلاثة " كان في أول الإسلام ; خبرا عما كان تعتقد العرب في جاهليتها على ما قالت عائشة - رضي الله عنها - ثم نسخ ذلك وأبطله القرآن والسنن ، وأخبار الآحاد لا يقطع على عينها وإنما توجب العمل فقط ، وقال تعالى : قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وقال ما أصاب من مصيبة في الأرض الآية ، وما خط في

[ ص: 112 ] اللوح المحفوظ لم يكن منه بد ، وليست البقاع ولا الأنفس بصانعة شيئا من ذلك . فهذا هو الاعتقاد الذي يجب على العبد أن يعتقده ، ويسلم أمره إلى الله تعالى ، ويترك القطع على الله بالشؤم في شيء ، وقد يقال : إن شؤم المرأة أن تكون سيئة الخلق ، أو غير قانعة ، أو تكون سليطة ، أو تكون غير ولود .

وشؤم الفرس أن يكون شموسا ، وقيل : أن لا يكون يغزى عليها .

وشؤم الدار أن تكون ضيقة ، وقيل : أن يكون جارها سوءا .

فإن قيل : لم خصص -عليه السلام - هذه الثلاث ؟

قلت : لما ذكرنا عن عائشة من أن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون حقيقة الشؤم في هذه الثلاث ; فلذلك نص -عليه السلام - على هذه الثلاث دون غيرها ; حكاية عن اعتقادهم ذلك .

فإن قيل : روى مالك في "موطإه " عن يحيى بن سعيد أنه قال : "جاءت امرأة إلى رسول الله -عليه السلام - فقالت : يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر ; فقل العدد وذهب المال ، فقال رسول الله -عليه السلام - : دعوها ذميمة " .

قلت : إنما قال ذلك كذلك لما رآه منهم وأنه رسخ في قلوبهم ما كانوا عليه في جاهليتهم ، وكان رءوفا بالمؤمنين بأخذ عفوهم شيئا فشيئا ، وهكذا كان نزول الفرائض والسنن ، حتى استحكم الإسلام وكمل ولله الحمد ، ثم بين رسول الله -عليه السلام - بعد ذلك لأولئك الذين قال لهم : "اتركوها ذميمة " ولغيرهم ولسائر أمته الصحيح بقوله : "لا طيرة ولا عدوى " وبالله التوفيق .

وقال الخطابي : يحتمل أن يكون أمرهم بتركها والتحول عنها إبطالا لما وقع منها في نفوسهم من أن يكون المكروه إنما أصابهم بسبب الدار وسكناها ، فإذا تحولوا منها انقطعت مادة ذلك والوهم .

[ ص: 113 ] قلت : الحديث المذكور الذي رواه مالك أخرجه أبو داود مسندا : ثنا الحسن بن يحيى أبو علي ، قال : ثنا بشر بن عمر ، قال : ثنا عكرمة بن عمار ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك قال : "قال رجل : يا رسول الله ، إنا كنا في دار كثير فيها عددنا ، وكثير [فيها] أموالنا ، فتحولنا إلى دار أخرى ، قل فيها عددنا ، وقلت والذميمة وقلت أموالنا ، فقال رسول الله -عليه السلام - : ذروها ذميمة " والذميمة فعيلة بمعنى مفعولة ، أي اتركوها مذمومة .

ثم إنه أخرج حديث ابن عمر من خمس طرق صحاح :

الأول : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ومالك بن أنس ، كلاهما عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . . . . إلى آخره .

وأخرجه مسلم : عن أبي الطاهر وحرملة عن ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله -عليه السلام - قال : "لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاث : المرأة والفرس والدار " .

وأخرجه أيضا : عن القعنبي ، عن مالك . . . . إلى آخره نحوه .

الثاني : عن يزيد بن سنان القزاز -شيخ النسائي - عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، شيخ البخاري ومسلم وأبي داود ، عن مالك ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر ، عن رسول الله -عليه السلام - .

[ ص: 114 ] وأخرجه مسلم : عن القعنبي ، عن مالك نحوه .

الثالث : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن جريج ، عن محمد بن شهاب الزهري . . . . إلى آخره .

وأخرجه مسلم : عن يحيى بن يحيى وعمرو الناقد وزهير بن حرب ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي -عليه السلام - من غير ذكر حمزة .

الرابع : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي اليمان الحكم بن نافع -شيخ البخاري - عن شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر .

وأخرجه مسلم نحوه : عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن سالم .

وأخرجه البخاري أيضا .

الخامس : عن يزيد بن سنان القزاز ، عن سعيد بن أبي مريم المصري شيخ البخاري ، عن محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني ، عن عتبة بن مسلم التيمي المدني ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عبد الله بن عمر ، عن النبي -عليه السلام - .

وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن إسحاق ، قال : أنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا سليمان بن بلال ، قال : ثنا عتبة بن مسلم ، عن حمزة بن عبد الله ، عن أبيه ، أن رسول الله -عليه السلام - قال : "إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية