صفحة جزء
[ ص: 119 ] 7104 7105 ص: وقد روي عن عائشة - رضي الله عنها - أن ما تكلم به رسول الله -عليه السلام - في ذلك كان على غير هذا اللفظ :

حدثنا علي بن معبد ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن أبي حسان ، قال : "دخل رجلان من بني عامر ، على عائشة ، فأخبراها أن أبا هريرة - رضي الله عنه - يحدث عن النبي -عليه السلام - أنه قال في الطيرة : في المرأة والدار والفرس ، فغضبت وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض ، فقالت : والذي نزل القرآن على محمد ، - صلى الله عليه وسلم - ما قالها رسول الله -عليه السلام - قط ، إنما قال : إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك " .

فأخبرت عائشة - رضي الله عنها - أن ذلك القول كان من النبي -عليه السلام - حكاية عن أهل الجاهلية لا أنه عنده كذلك .


ش: هذا في الحقيقة جواب آخر عن أحاديث الشؤم ; حاصله : أن عائشة - رضي الله عنها - بينت أن قوله -عليه السلام - : "الشؤم في ثلاث . . . . " الحديث ليس معناه عنده أن الأمر كذلك ، وإنما هذا حكاية حكاها -عليه السلام - عن أهل الجاهلية أنهم كانوا يعتقدون ذلك في هذه الأشياء الثلاثة ; ولهذا أنكرت رواية أبي هريرة حين أخبر الرجلان بذلك ، وحلفت أن رسول الله -عليه السلام - ما قالها قط .

أخرج الطحاوي ذلك عنها بإسناد صحيح إلى أبي حسان الأعرج ، ويقال : الأجرد ، واسمه : مسلم بن عبد الله البصري ، وثقه يحيى وابن حبان ، وروى له الجماعة ; البخاري مستشهدا .

وأخرجه ابن عبد البر عن أبي حسان المذكور : "أن رجلين دخلا على عائشة وقالا : إن أبا هريرة يحدث أن النبي -عليه السلام - قال : إنما الطيرة في الفرس والمرأة والدار ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض ، ثم قالت : كذب والذي أنزل الفرقان على من حدث عنه بهذا ، ولكن رسول الله -عليه السلام - كان يقول : كان أهل الجاهلية [ ص: 120 ] يقولون : الطيرة في المرأة والدار والدابة ، ثم قرأت عائشة - رضي الله عنها - ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب الآية " .

قوله : "وطارت شقة " أي قطعة ، ورواه بعض المتأخرين بالسين المهملة ، وأورد به المبالغة في الغضب والغيظ ، يقال : قد أشق فلان من الغضب والغيظ كأنه امتلأ باطنه به حتى انشق ، ومنه قوله تعالى : تكاد تميز من الغيظ وقال أبو عمر : قول عائشة في أبي هريرة : "كذب " فإن العرب تقول : كذبت إذا أرادوا به التغليط ، ومعناه : أوهم لم يظن حقا ونحو هذا ، وذلك معروف في كلامهم موجود في أشعارهم كثيرا ، قال أبو طالب :


كذبتم وبيت الله نترك مكة . . . ونظعن إلا أمركم في بلابل

    كذبتم وبيت الله نبزي محمدا
. . . ولما نطاعن دونه ونناضل



فهذا من باب الغلط وظن ما ليس بصحيح ، وذلك أن قريشا أرادوا أن يخرجوا بني هاشم من مكة إن لم يتركوا جوار محمد -عليه السلام - ، فقال لهم أبو طالب : كذبتم فيما ظننتم .

قوله : "نظعن " بالظاء المعجمة أي نرحل .

و"البلابل " جمع بلبلة وهي الوسواس .

قوله : "نبزي " بالزاي المعجمة .

و"المطاعنة " بالرماح ، والمناضلة بالنبال .

التالي السابق


الخدمات العلمية