صفحة جزء
7118 7119 ص: وقالوا : هذا الحديث الذي احتج به علينا مخالفنا إنما هو عن ابن عمر موقوف وليس عن النبي -عليه السلام - .

فذكروا ما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : أنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : ثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر مثله . ولم يذكر عن النبي -عليه السلام - .

فأما ما ذكروا من قول الله -عز وجل - : فليغيرن خلق الله فقد قيل : تأويله ما ذهبوا إليه ، وقيل : إنه دين الله -عز وجل - ، وقد رأينا رسول الله -عليه السلام - ضحى بكبشين موجوءين ، وهما المرضوض خصاهما ، والمفعول به ذلك فقد انقطع أن يكون له نسل ، فلو كان إخصاؤهما مكروها لما ضحى بهما رسول الله -عليه السلام - لينتهي الناس عن ذلك فلا يفعلوه ; لأنهم متى علموا أن ما أخصي يجتنب ويتجافى ; أحجموا عن ذلك فلم يفعلوه ، ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز ، - رضي الله عنه - فيما روينا عنه في باب : ركوب البغال : "أنه أتي بعبد خصي ليشتريه فقال : ما كنت لأعين على الإخصاء " فجعل ابتياعه إياه عونا على إخصائه ; لأنه لولا من يبتاعه لأنه خصي لم يخصه من أخصاه ، فكذلك إخصاء الغنم لو كان مكروها لما ضحى رسول الله -عليه السلام - بما قد أخصي منها ،

[ ص: 136 ] ولا يشبه إخصاء البهائم إخصاء بني آدم ; لأن إخصاء البهائم إنما يراد به ما ذكرنا من سمانتها وقطع عضها ; فذلك مباح ، وبنو آدم فإنما يراد بإخصائهم المعاصي فذلك غير مباح ، ولو كان ما روينا في أول هذا الباب صحيحا لاحتمل أن يكون أريد به الإخصاء الذي لا يبقى معه شيء من ذكور البهائم حتى يخصي ، فذلك مكروه ; لأن فيه انقطاع النسل ، ألا تراه يقول في ذلك الحديث : "منها نشأت الخلق " أي فإذا فعل لم ينشأ شيء من ذلك الخلق ، فذلك مكروه ، فأما ما كان من الإخصاء الذي لا ينقطع معه نشء الخلق ; فهو بخلاف ذلك .


ش: أي قال الآخرون ، وهذا جواب عن الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى ، بيانه : أن الحديث الذي احتجوا به أصله موقوف على ابن عمر ولا يصح رفعه عن النبي -عليه السلام - ، أخرج ذلك الطحاوي عن محمد بن خزيمة ، عن يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر .

ولم يذكر عن النبي -عليه السلام - ، فإذا كان كذلك فلا تقوم به الحجة ، ولئن سلمنا صحة رفعه فهو ضعيف الإسناد ; فلا يصح الاحتجاج به .

قوله : "فأما ما ذكروا من قول الله -عز وجل - . . . . " إلى آخره . جواب عن احتجاجهم بقوله تعالى : فليغيرن خلق الله بيان ذلك أنهم اختلفوا في تأويله ; فقد قال بعضهم : تأويله ما ذكره أهل المقالة الأولى، وقال الآخرون : المراد به دين الله تعالى ، روى ذلك البيهقي في "سننه " من حديث ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : "يعني الفطرة الدين " .

وروى أيضا من حديث المغيرة عن إبراهيم قال : يعني دين الله . وروي أيضا نحو ذلك عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة .

[ ص: 137 ] قوله : "وقد رأينا رسول الله -عليه السلام - . . . . " إلى آخره . ذكره شاهدا لما ذهب إليه أهل المقالة الثانية ; وتصديقا لما ادعوه ، وهو ظاهر .

قوله : "ولا يشبه إخصاء البهائم . . . . " إلى آخره جواب عن سؤال مقدر ، تقريره أن يقال : يكره إخصاء البهائم كما يكره إخصاء بني آدم بالإجماع ، والعلة قطع النسل وتعذيب الحيوان بلا فائدة ، فأجاب عنه بقوله : "ولا يشبه . . . . " إلى آخره ، وهو ظاهر .

قوله : "ولو كان ما روينا في أول هذا الباب . . . . " إلى آخره . جواب آخر عن حديث ابن عمر المذكور في صدر الكتاب بطريق التسليم ، وتقريره أن يقال : وإن سلمنا أن هذا الحديث مرفوع وأنه صحيح الإسناد ، ولكنه محمول على معنى غير ما فهمه الخصم وهو قوله : "لاحتمل أن يكون أريد به . . . " إلى آخره ، وهو ظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية