صفحة جزء
7158 7159 7160 ص: وقد سأل الأعراب رسول الله -عليه السلام - فقالوا : ألا نتداوى ؟ فكان جوابه في ذلك ما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا إبراهيم بن بشار ، قال : ثنا سفيان ، قال :

[ ص: 165 ] ثنا زياد بن علاقة ، قال : سمعت أسامة بن شريك يقول : "شهدت النبي -عليه السلام - والأعراب يسألونه فقالوا : هل علينا جناح أن نتداوى ؟ فقال : تداووا عباد الله ; إن الله -عز وجل - لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم " .

حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : حدثني طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله -عليه السلام - قال : " يا أيها الناس تداووا ، فإن الله -عز وجل - لم يخلق داء إلا خلق له شفاء إلا السام ، ، والسام : الموت " .

حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عن رسول الله -عليه السلام - قال : " لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله " .

فأباح لهم رسول الله -عليه السلام - أن يتداووا والكي مما كانوا يتداوون به .


ش: ذكر هذه الأحاديث أيضا شاهدة لصحة ما ذكره أن الكي إذا كان يوافق الداء يباح استعماله ، ألا ترى أن الأعراب سألوا رسول الله -عليه السلام - فقالوا : "هل علينا جناح أن نتداوى ؟ فأمرهم رسول الله -عليه السلام - بالتداوي وقال : إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم " وفي رواية : "إلا السام وهو الموت " ، فأباح لهم التداوي مطلقا والكي يدخل فيه ; لأنه من جملة ما كانوا يتداوون به ، ولا سيما أهل الوبر ; فإن غالب الطب عندهم بالنار .

وأخرجها عن ثلاثة من الصحابة :

الأول : عن أسامة بن شريك ، وأخرجه بإسناد صحيح ، وأخرجه الأربعة :

فأبو داود : عن حفص بن عمر النمري ، عن شعبة ، عن زياد بن علاقة ، عن أسامة بن شريك ، قال : "لقيت النبي -عليه السلام - وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير ، فسلمت ثم قعدت ، فجاء الأعراب من ها هنا وها هنا فقالوا : يا رسول الله نتداوى ؟ فقال : تداووا ; فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد : الهرم " .

[ ص: 166 ] والترمذي : عن بشر بن معاذ العقدي البصري ، عن أبي عوانة ، عن زياد بن علاقة . . . . بنحوه . وأوله : "قالت الأعراب : يا رسول الله ، ألا نتداوى ؟ " وقال : حسن صحيح .

والنسائي : عن محمد بن عبد الأعلى ، عن خالد بن الحارث ، عن شعبة ، عن زياد بن علاقة نحوه مختصرا .

وابن ماجه : عن أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار ، عن سفيان بن عيينة ، عن زياد بن علاقة نحوه .

الثاني : عن ابن عباس :

أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي ، قال : يحيى فيه : لا شيء ، ضعيف . وقال البخاري : ليس بشيء . وقال : النسائي : متروك الحديث .

وهو يروي عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس .

الثالث : عن جابر بن عبد الله :

أخرجه بإسناد صحيح ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن عبد ربه بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني أخي يحيى بن سعيد ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي ، عن جابر بن عبد الله .

وأخرجه مسلم : ثنا هارون بن معروف وأبو طاهر وأحمد بن عيسى ، قالوا : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو -هو ابن الحارث - عن عبد ربه بن سعيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله -عليه السلام - أنه قال : "لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى " .

[ ص: 167 ] قوله : "فإذا أصيب دواء الداء " بإضافة الدواء إلى الداء . والدواء بفتح الدال ممدود ، وحكى جماعة -منهم الجوهري - فيه لغة بكسر الدال ، قال عياض : هي لغة الكلابيين وهي شاذة .

وفي هذه الأحاديث :

إثبات الطب والعلاج .

وأن التداوي غير مكروه كما ذهب إليه بعض الناس .

وفيه أنه جعل الهرم داء وإنما هو ضعف الكبر وليس من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان من قبل اختلاف الطبائع وتغير الأمزجة ; وإنما شبه بالداء ; لأنه جالب للتلف كالأدواء التي يعقبها الهلاك ، قال النمر بن تولب :

دعوت ربي بالسلامة جاهدا . . . ليصحني فإذا السلامة داء



يريد أن العمر لما طال به أداه إلى الهرم فصار بمنزلة المريض الذي قد أدلقه المرض .

قلت : وفي هذا الباب عن أنس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن مسعود وأبي خزامة عن أبيه ، وأبي الدرداء وبريدة .

أما حديث أنس - رضي الله عنه - فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا يونس بن محمد ، قال : نا حرب بن ميمون ، قال : سمعت عمران العمي يقول : سمعت أنسا يقول : إن رسول الله -عليه السلام - قال : "إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء ; فتداووا " .

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري : ثنا محمد بن المثنى ، نا أبو أحمد الزبيري ، نا [عمر] بن سعيد بن أبي حسين ، قال : حدثني عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام - قال : "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء " .

[ ص: 168 ] وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا هاشم بن القاسم ، قال : ثنا شبيب بن شيبة ، قال : نا عطاء بن أبي رباح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي -عليه السلام - قال : "إن الله لم ينزل داء -أو لم يخلق داء - إلا وقد أنزل -أو قد خلق - له دواء ، علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام ، قالوا : يا رسول الله ، وما السام ؟ قال : الموت " .

وأما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجه : من حديث ابن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، عن ابن مسعود يبلغ به النبي -عليه السلام - قال : "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله " .

وأما حديث أبي خزامة عن أبيه فأخرجه أبو بكر بن أبي عاصم قال : ثنا الحسن بن علي ، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، نا أبي ، عن صالح بن كيسان ، عن الزهري ، أن أبا خزامة -أحد بني الحارث بن سعد هذيم - أخبره ، عن أبيه : "أنه أتى النبي -عليه السلام - ، فقال : يا رسول الله ، أرأيت دواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل يرد ذلك من قدر الله ؟ قال : إنها من قدر الله " .

قال ابن أبي عاصم : قد اختلفوا فيه ، فقالوا : خزيمة وخزينة وأبو خزانة وأبو خزامة وابن أبي خزامة ، واختلفوا في الرفع والنصب والخفض ، وقال ابن الأثير في ترجمة خزامة بن معمر الليثي ، واختلف على الزهري فيه ، فقيل : خزامة بن معمر عن أبيه ، وقيل : عن أبي خزامة بن زيد بن الحارث ، عن أبيه " .

وأخرجه عبد الله بن أحمد : حدثني أبي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي خزامة ، عن أبيه قال : "قلت : يا رسول الله -قال سفيان مرة : سألت

[ ص: 169 ] رسول الله -عليه السلام - أرأيت دواء نتداوى به ، ورقى نسترقيها ، وتقاة نتقيها ، أيرد ذلك من قدر الله ؟ قال : إنها من قدر الله "
.

وأخرجه الترمذي : نا ابن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي خزامة ، عن أبيه قال : "سألت رسول الله -عليه السلام - قلت : يا رسول الله ، أرأيت رقاة نسترقيها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هل يرد من قدر الله شيئا ؟ قال : هي من قدر الله " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن .

ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي خزامة ، عن أبيه . وقال بعضهم : عن أبي خزامة ، عن أبيه . وقد روى غير ابن عيينة هذا الحديث عن الزهري ، عن أبي خزامة ، عن أبيه .

وهذا أصح ، ولا نعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث .

وقال ابن الأثير : يعمر السعدي سعد هذيم ، ثم من بني الحارث بن سعد ، والحارث أخو عروة بن سعد وكنيته : أبو خرامة ، قاله أبو نعيم ، وقيل : هو والد أبي خزامة . وهو الصواب ، قاله ابن منده .

وقال الحافظ ابن عساكر : يقال : أبو خزامة ، ويقال : والد أبي خزامة ، ويقال : أبو سعد ، ويقال : اسمه الحارث ، وهو أحد بني الحارث بن سعد بن هذيم السعدي .

وأما حديث أبي الدرداء : فأخرجه أبو داود بإسناده إليه ، قال : قال رسول الله -عليه السلام - : "إن الله أنزل الداء والدواء ، فتداووا ، ولا تداووا بالحرام " .

وأما حديث بريدة فأخرجه ابن أبي عاصم بسند صحيح عنه قال : قال رسول الله -عليه السلام - : "تداووا عباد الله ; فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء " .

التالي السابق


الخدمات العلمية