صفحة جزء
5990 5991 5992 ص: فكان من الحجة عليهم أن الحديث على أصل المحتج به علينا لا تجب به حجة; لأن الأثبات من أصحاب مالك إنما رووه عن مالك منقطعا، لم يرفعوه إلى أبي هريرة .

حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال: ثنا أبو عامر والقعنبي ، قالا: ثنا مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب قال: "قضى رسول الله -عليه السلام- بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة".

حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: ثنا مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، وأبي سلمة ، مثله.

فصار هذا الحديث منقطعا، والمنقطع لا تقوم به حجة، ثم لو ثبت هذا الحديث واتصل إسناده لم يكن فيه عندنا ما يخالف الحديث الذي ذكرناه عن عطاء ، عن جابر; لأن الذي في هذا الحديث إنما هو قول أبي هريرة: " قضى رسول الله -عليه السلام- بالشفعة فيما لم يقسم" فكان بذلك مخبرا عما قضى به رسول الله -عليه السلام- بالشفعة، ثم قال بعد ذلك: "فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" ، وكان ذلك قولا من رأيه لم يحكه عن رسول الله -عليه السلام-.

وإنما يكون هذا الحديث حجة على من ذهب إلى وجوب الشفعة بالجوار لو كان أن رسول الله -عليه السلام- قال: الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، فيكون ذلك نفيا من رسول الله -عليه السلام- لما قد قسم أن يكون فيه الشفعة، . ولكن [ ص: 193 ] أبا هريرة إنما أخبر في ذلك عن رسول الله -عليه السلام- بما عليه من قضائه، ثم نفى الشفعة برأيه ما لم يعلم من رسول الله -عليه السلام- فيه حكما، وعلمه غيره.


ش: أي فكان من الدليل والبرهان على أهل المقالة الأولى، وأراد بها الجواب عما قالوه، بيانه أن يقال: إن هذا الحديث لا تقوم به حجة علينا; لأنه في الأصل منقطع؛ لأن الحفاظ الأثبات رووه عن مالك لم يرفعوه إلى أبي هريرة، وقال أبو عمر: هكذا روى هذا الحديث عن مالك أكثر الرواة للموطأ وغيره مرسلا، إلا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ، وأبا عاصم النبيل ، ويحيى بن إبراهيم بن داود بن أبي قتيلة المدني ، وأبا يوسف القاضي; فإنهم رووه عن مالك بهذا الإسناد متصلا عن أبي هريرة مسندا.

وأخرج الطحاوي ذلك من طريقين:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، وعبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، كلاهما عن مالك .

وأخرجه النسائي: عن الحارث ، عن أبي القاسم ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد وأبي سلمة ، عن النبي -عليه السلام-.

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك .

وأخرجه ابن ماجه: عن محمد بن حماد الظهراني ، عن أبي عاصم ، عن مالك ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن النبي -عليه السلام-.

قوله: "ثم لو ثبت هذا الحديث ...." إلى آخره جواب آخر بطريق التسليم، بيانه أن يقال: سلمنا أن هذا الحديث متصل، ولكن لا نسلم أن يكون فيه خلاف لحديث جابر بن عبد الله الذي رواه عنه عطاء بن أبي رباح، وقد أوضح ذلك بقوله: "لأن الذي في هذا الحديث ...." إلى آخره، وهو ظاهر.

التالي السابق


الخدمات العلمية