صفحة جزء
5043 ص: فإن قال قائل: قوله: "ولا ذو عهد في عهده" إنما معناه: لا يقتل مؤمن بكافر، فانقطع الكلام، ثم قال: "ولا ذو عهد في عهده" كلام مستأنف، أي: ولا يقتل المعاهد في عهده، فكان من حجتنا عليه: أن هذا الحديث إنما جرى في الدماء المسفوك بعضها ببعض; لأنه قال: "المسلمون يد على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم" ثم قال: "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده" فإنما جرى الكلام على الدماء التي تجري قصاصا، ولم يجر على حرمة دم بعهد؛ ليحمل الحديث على هذا. فهذا وجه.


ش: تقرير السؤال أن يقال: إن قوله -عليه السلام-: "لا يقتل مؤمن بكافر" كلام مستقل بذاته مفيد لحكم، وليس له تعلق به لما بعده، فلما قال هذا الكلام انقطع عما قبله وتم.

[ ص: 346 ] ثم قوله -عليه السلام- بعده: "ولا ذو عهد في عهده" كلام مستأنف أي مبتدأ، وهو أيضا كلام مستقبل بذاته مفيد لحكمه، ومعناه: لا يقتل المعاهد في عهده، فإذا كان كذلك كان كل من الكلامين حكما، وهو أن يكون حكم الأول: منع قتل المؤمن بالكافر، أي كافر كان، وحكم الثاني: منع قتل المعاهد ما دام في عهده.

وأشار إلى الجواب عن ذلك بقوله: "فكان من حجتنا عليه -أي على هذا القائل- أن هذا الحديث" يعني أن مورد الحديث في الدماء التي يسفك بعضها ببعض بقرينة قوله: "المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم" أي تتساوى في القصاص كما ذكرنا، ولما قال: "لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده" علم أن جريان الكلام كان على الدماء التي تسفك من حيث القصاص، ولم يكن على حرمة دم بسبب العهد والذمة; وذلك لأن حرمة دم العهد معلومة بدون هذا.

ولو قلنا: المعنى: ولا يقتل المعاهد في عهده; لخلا اللفظ عن الفائدة.

فإذا كان كذلك لم يكن قوله: "ولا ذو عهد في عهده" كلاما مستقلا بداية، مفيدا لحكم غير معلوم، فاحتاج إلى تأويل كما ذكرناه فيما مضى محققا.

قوله: "فهذا وجه" أي فهذا الذي ذكرناه وجه في الجواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية