صفحة جزء
4834 4835 ص: حدثنا يونس ، وعيسى بن إبراهيم الغافقي ، قالا: ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد وشبل - رضي الله عنهم - قالوا: "كنا قعودا عند النبي -عليه السلام- فقام إليه رجل فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله -عز وجل- فقام خصمه وكان أفقه منه، فقال: صدق، اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، قال: قل، قال: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم، فقال: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: المائة شاة والخادم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها، فاعترفت، فرجمها".

حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ومالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ، - رضي الله عنهما - قالا: "كنا جلوسا عند النبي -عليه السلام-...." ثم ذكر مثله.


ش: هذان طريقان صحيحان، ورجالهما كلهم رجال "الصحيح" ما خلا عيسى بن إبراهيم شيخ أبي داود .

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم ، وعيسى بن إبراهيم بن عيسى المروزي الغافقي المصري، كلاهما عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الفقيه المدني ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني الصحابي وشبل بن خالد ويقال: خليد .

[ ص: 423 ] قال الطبري: شبل بن معبد البجلي، ويقال: شبل بن خليد، ويقال: شبل بن حامد، فصوب بعضهم ابن معبد، وقيل: إن شبلا هذا لا صحبة له، وعن هذا أخرج البخاري ومسلم هذا الحديث، ولم يذكرا في روايتهما شبلا، ويقال: لا ذكر له في الصحابة إلا في رواية ابن عيينة ولم يتابع عليها، وقال يحيى بن معين: ليست لشبل صحبة. وقال أبو حاتم الرازي: ليس لشبل معنى في حديث الزهري .

وأخرجه الجماعة:

فالبخاري: عن علي بن عبد الله، ثنا سفيان، قال: حفظناه من في الزهري، قال: أخبرني عبيد الله، أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا: "كنا عند النبي -عليه السلام- فقام رجل فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه وكان أفقه منه...." إلى آخره نحوه.

وأخرجه في مواضع متعددة في "جامعه":

في كتاب الصلح وفي الأحكام: عن آدم ، عن ابن أبي ذئب .

وفى كتاب المحاربين: عن عاصم بن علي ، عن ابن أبي ذئب .

وفي الشروط: عن قتيبة ، عن الليث .

وفي النذور: عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك .

[ ص: 424 ] وفي كتاب المحاربين أيضا: عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك .

وفيه أيضا: عن علي، وعن محمد بن يوسف ، عن سفيان بن عيينة .

وفي الاعتصام: عن مسدد ، عن سفيان .

وفي خبر الواحد: عن زهير بن حرب ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه، عن صالح .

وعن أبي اليمان ، عن شعيب، كلهم عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد .

وفي الشهادات: عن يحيى بن بكير ، عن الليث ، عن عقيل .

وفي كتاب المحاربين أيضا: عن مالك بن إسماعيل ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، كلاهما عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن زيد وحده، بهذا مختصرا.

ومسلم: عن قتيبة، قال: نا ليث (ح).

ونا محمد بن رمح، قال: أنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما قالا: "إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله -عليه السلام- فقال: يا رسول الله، أنشدك الله إلا قد قضيت بكتاب الله...." إلى آخره.

[ ص: 425 ] وأخرجه أيضا: عن أبي الطاهر وحرملة ، عن ابن وهب ، عن يونس، وعن عمرو الناقد ، عن يعقوب ، عن أبيه، عن صالح، وعن عبد بن حميد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر، كلهم عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن أبي هريرة وزيد ، عن النبي -عليه السلام-.

وهذا كما ترى لم يذكر البخاري ولا مسلم شبلا في روايتهما.

وأبو داود: عن عبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه: "أن رجلين اختصما إلى رسول الله -عليه السلام- فقال أحدهما: يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر -وكان أفقه-: أجل يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم، قال: تكلم، فقال: إن ابني كان عسيفا على هذا -والعسيف: الأجير- فزنى بامرأته، فأخبروني أنما على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله -عليه السلام-: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد إليك، وجلد ابنه مائة وغربه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها".

وهذا أبو داود أيضا لم يذكر شبلا في روايته.

والترمذي: عن نصر بن علي وغير واحد، قالوا: نا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله سمعه من أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل: "أنهم كانوا عند النبي -عليه السلام- فأتاه رجلان يختصمان، فقام إليه أحدهما فقال:

[ ص: 426 ] أنشدك الله يا رسول الله لما قضيت بيننا بكتاب الله، فقال خصمه -وكان أفقه منه-: أجل يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي...."
إلى آخره، نحوه.

وهذا الترمذي قد ذكر في روايته شبلا كالطحاوي .

والنسائي: عن قتيبة ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل، قالوا: "كنا قعودا عند النبي -عليه السلام- فأتاه رجل فقال: أنشدك بالله إلا قضيت بيننا بكتاب الله...." إلى آخره.

وأخرجه أيضا: عن محمد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه: "أن رجلين اختصما إلى رسول الله -عليه السلام- فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله ...." إلى آخره.

فهذا النسائي ذكر شبلا في روايته عن قتيبة، ولم يذكره في حديث مالك .

وابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وهشام بن عمار ، ومحمد بن الصباح، قالوا: ثنا سفيان .... إلى آخره نحو رواية الطحاوي .

الطريق الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى أيضا، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ومالك بن أنس، كلاهما عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني .

وأخرجه مالك في "موطئه" .

[ ص: 427 ] والبخاري: عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك .

والترمذي: عن إسحاق بن موسى، عن معن بن عيسى، عن مالك.

والنسائي: عن محمد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك .

قوله: "كنا قعودا" أي قاعدين، كالركوع والسجود جمع الراكع والساجد.

قوله: "أنشدك الله" أي سألتك بالله، يقال: نشدتك الله، وأنشدك الله وبالله، وناشدتك الله وبالله، أي: سألتك وأقسمت عليك، ونشدته نشدة ونشدانا ومناشدة، وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت، حيث قالوا: نشدتك الله وبالله كما قالوا: دعوت زيدا وبزيد إلا أنهم ضمنوه معنى ذكرت، فأما أنشدتك بالله فخطأ.

قوله: "إلا قضيت بيننا بكتاب الله" فيه تأويلات:

أحدها: أن يكون معنى الكتاب الفرض والإيجاب، تقول: لأقضين بينكما بما فرضه الله -عز وجل- وأوجبه، وقد جاء الكتاب بمعنى الفرض; كقوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أي فرضنا.

الثاني: أن الرجم وإن لم يكن منصوصا عليه باسمه الخاص فإنه مذكور في الكتاب على سبيل الإجمال، وهو قوله -عز وجل-: فآذوهما والأذى يقع في معناه الرجم وغيره من العقوبة، الغالب أن الأصل في ذلك قوله تعالى: أو يجعل الله لهن سبيلا وقد جاء في بيانه في السنة: مائة جلدة والرجم.

[ ص: 428 ] الرابع: أنه مما رفعت تلاوته وبقي حكمه.

قوله: "وكان أفقه" أي أفهم وأزكى منه، والفقه معناه: الفهم، قال الله تعالى: يفقهوا قولي وذلك لأنه تأدب في سؤاله النبي -عليه السلام- بقوله: "وائذن لي" وخاف من الوقوع في النهي عن التقدم بين يديه، ومخاطبته بخطاب بعضهم بعضا، وهذا ضد ما فعله الآخر من قوله: "أنشدك الله" وكلامه له بجفاء الأعراب.

أو كان أفقه منه؛ لأنه بين القصة على وجهها.

قوله: "كان عسيفا" قد فسر أبو داود في روايته وقال: العسيف: الأجير.

والعسيف أيضا: العبد المستهان به، قال الزمخشري: لا يخلو من أن يكون فعيلا بمعنى فاعل، كعليم بمعنى عالم، أو بمعنى مفعول كأسير، فهو على الأول من قولهم: هو يعسف ضيعته أي يرعاها، ويقال: لم أعسف عليك، أي لم أعمل لك. وعلى الثاني من العسف; لأن مولاه يعسفه على ما يريده، ويجمع على عسفاء في الوجهين، نحو قولهم: علماء وأسراء.

قوله: "وخادم" أراد بها الجارية كما وقع هكذا في رواية أبي داود، والخادم يقع على الذكر والأنثى لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال، كحائض وعاتق.

قوله: "المائة شاة" بالإضافة، و"الخادم" بالرفع عطفا على المائة.

قوله: "رد" مصدر، ولهذا وقع خبرا عن اثنين، والمعنى مردودان إليك.

قوله: "واغد يا أنيس" من غدا يغدو غدوا، وهو الذهاب، وهو بالغين المعجمة.

و"أنيس" بضم الهمزة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، قيل هو ابن الضحاك الأسلمي يعد في الشاميين، ومخرج الحديث عليهم، وقد حدث عن النبي -عليه السلام-.

[ ص: 429 ] قوله: "فاعترفت فرجمها" فيه حذف، أي: فسألها فاعترفت، فرجمها باعترافها.

ويستنبط منه أحكام:

فيه: أن أولى الناس بالقضاء بينهم: الخليفة إذا كان عالما بوجوه القضاء.

وفيه: أن المدعي أولى بالقول، والمطالب أحق أن يتقدم بالكلام، وإن بدأ المطلوب.

وفيه: أن الباطل من القضاء مردود، وما خالف السنة الواضحة من ذلك فباطل.

وفيه: أن قبض من قضي له بما قضي له به، إذا كان خطأ وجورا وخلافا للسنة لا يدخله قبضه في ملكه، ولا يصح ذلك له، وعليه رده.

وفيه: أن للعالم أن يفتي في مصر فيه من هو أعلم منه إذا أفتى بعلم.

قال القاسم بن محمد: كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - يفتون على عهد رسول الله -عليه السلام-.

وفيه: أن يمين رسول الله -عليه السلام- كانت: والذي نفسي بيده، وفي ذلك رد على الخوارج والمعتزلة.

وفيه: أنه لم يجمع بين الرجم والجلد على المحصن.

وفيه: أنه لم يوقع بينهما الفرقة بالزنا.

وفيه: أنه لا يجب على الإمام حضور المرجوم بنفسه.

وفيه: إثبات الإجارة، والحديث فيها قليل.

وفيه: دليل على وجوب قبول خبر الواحد.

وفيه: أدب السائل في طلب الإذن.

وفيه: أن الرجم إنما يجب على المحصن.

وفيه: إثبات النفي والتغريب سنة، وفيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى.

وفيه: أنه لم يجعله قاذفا بقوله: زنى بامرأته.

[ ص: 430 ] وفيه: أنه لم يشترط في الاعتراف التكرار، وهو حجة على الشافعي، واحتج أصحابنا بحديث ماعز على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وفيه: أن للإمام أن يسأل المقذوف، فإن اعترف حكم عليه بالواجب، وإن لم يعترف وطالب القاذف أخذ له بحقه، وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء.

فقال مالك: لا يحد الإمام القاذف حتى يطالبه المقذوف إلا أن يكون الإمام سمعه، فيحده إن كان معه شهود غيره عدول.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والأوزاعي والشافعي: لا يحد القاذف إلا بمطالبة المقذوف.

وقال ابن أبي ليلى: يحده الإمام وإن لم يطلبه المقذوف.

التالي السابق


الخدمات العلمية