صفحة جزء
4903 4904 4905 ص: وقد جاءت الآثار متواترة أن رسول الله -عليه السلام- لم يكن يقص في حد الشارب إلى عدد من الضرب معلوم، حتى لقد بين في بعض ما روي عنه في ذلك مثل ما رويناه عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله -عليه السلام- مات ولم يسن فيه حدا، . فمما روي في ذلك:

ما حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: أنا أسامة بن زيد الليثي ، عن ابن شهاب حدثه، عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "كأني أنظر إلى رسول الله -عليه السلام- وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يوم حنين، فبينما هو كذلك أتي برجل قد شرب الخمر، فقال للناس: اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصي ومنهم من ضربه الميتخة -يريد الجريدة الرطبة- ثم أخذ رسول الله -عليه السلام- ترابا من الأرض فرمى به في وجهه".

حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا روح بن عبادة ، قال: ثنا أسامة بن زيد ، قال: حدثني ابن شهاب ، قال: حدثني عبد الرحمن بن أزهر الزهري ، قال: "رأيت رسول الله -عليه السلام- يوم حنين يتخلل الناس، يسأل عن منزل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - فأتي بسكران، فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم، ثم حثى عليه التراب، ثم أتيأبو بكر - رضي الله عنه - بسكران، فتوخى الذي قد كان من ضربهم عند رسول الله -عليه السلام- فضربه أربعين، ثم أتي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بسكران، فضربه أربعين".

أفلا ترى أن أبا بكر - رضي الله عنه - إنما كان ضرب بعد النبي -عليه السلام- أربعين على التحري منه لضرب النبي -عليه السلام- الذي كان; لأن النبي -عليه السلام- لم يكن أوقفهم في ذلك على شيء بعينه.


[ ص: 535 ] ش: أي قد جاءت الأحاديث متكاثرة أنه -عليه السلام- لم يكن يقصد في حد شارب الخمر إلى عدد معين في الضرب، وأشار بهذه الأحاديث إلى معنيين: أحدهما هذا، والآخر أن هذه تعضد ما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: "مات رسول الله -عليه السلام- ولم يسن فيه حدا".

وأخرج حديث عبد الرحمن بن أزهر من طريقين صحيحين:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن أسامة بن زيد الليثي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبد الرحمن بن أزهر الزهري القرشي عم عبد الرحمن بن عوف .

وأخرجه أبو داود: ثنا سليمان بن داود المهري ابن أخي رشدين بن سعد قال: أنا ابن وهب .... إلى آخره نحوه.

الثاني: عن علي بن شيبة ، عن روح بن عبادة .... إلى آخره.

وأخرجه الدارقطني في "سننه": عن القاضي الحسين بن إسماعيل ، عن يعقوب الدورقي ، عن صفوان بن عيسى ، عن أسامة ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله -عليه السلام- يوم حنين وهو يتخلل الناس ...." إلى آخره نحوه.

وأخرجه البيهقي في "سننه" وفي كتابه "الخلافيات": عن أحمد بن محمد الأصبهاني ، عن الدارقطني .... إلى آخره.

قوله: "بالميتخة" بكسر الميم، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح التاء المثناة من فوق، والخاء المعجمة، قال ابن الأثير: هكذا جاء في رواية بتقديم الياء على التاء وهي الدرة أو العصا أو الجريدة، وقيل: هي بكسر الميم، وتشديد التاء المثناة من فوق، وسكون الياء آخر الحروف.

[ ص: 536 ] وجاء فتح الميم أيضا، مع تشديد التاء المثناة من فوق قبل الياء.

وجاء كسر الميم، مع سكون التاء المثناة من فوق قبل الياء.

قال الأزهري: وهذه كلها أسماء لجرائد النخل وأصل العرجون، وقيل: هي اسم للعصا، وقيل: القضيب الدقيق اللين، وقيل: كل ما ضرب به من جريد أو عصا ودرة وغير ذلك، وأصلها فيما قيل من متخ الله رقبته بالسهم: إذا ضربه، وقيل: من تيخه العذاب وطيخه إذا ألح عليه، فأبدلت التاء من الطاء.

قوله: "فتوخى" من توخيت الشيء أتوخاه توخيا إذا قصدت إليه وتعمدت فعله، وتحريت فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية