صفحة جزء
5938 ص: وقد روي عن ابن عباس من ذلك شيء.

حدثنا ربيع المؤذن ، قال: ثنا أسد ، قال: ثنا سفيان ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس، قال: قلت له: "يا أبا عبد الرحمن ، لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن رسول الله -عليه السلام- نهى عنها، فقال: أخبرني أعلمهم -يعني ابن عباس- أن رسول الله -عليه السلام- لم ينه عنها، ولكنه قال: لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ منها خراجا معلوما".

5939 حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا إبراهيم بن بشار ، قال: ثنا سفيان ، عن عمرو ... ، فذكر بإسناده مثله.

[ ص: 316 ] فبين ابن عباس: أن ما كان من النبي -عليه السلام- في ذلك لم يكن للنهي؛ وإنما أراد الرفق بهم.


ش: أي قد روي عن عبد الله بن عباس من المعنى الذي ذكره زيد بن ثابت في حديث رافع بن خديج شيء.

أخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن أسد بن موسى ، عن سفيان بن عيينة والحمادين، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس بن كيسان...إلى آخره.

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن إبراهيم بن بشار الرمادي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار...إلى آخره.

وأخرجه مسلم: ثنا ابن أبي عمر، قال: ثنا سفيان ، عن عمرو وابن طاوس ، عن طاوس: "أنه كان يخابر، قال عمرو: فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، لو تركت هذه المخابرة؛ فإنهم يزعمون أن النبي -عليه السلام- نهى عن المخابرة، فقال أي عمرو: أخبرني أعلمهم بذلك -يعني ابن عباس- أن النبي -عليه السلام- لم ينه عنها، إنما قال: يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خراجا معلوما".

وأخرجه البخاري أيضا نحوه.

وقال البيهقي: كأن ابن عباس وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - أنكروا إطلاق النهي، وعنى ابن عباس بما "لم ينه عنه" من ذلك كراءها بالذهب والفضة، وبما لا غرر فيه، وقد قيد بعض الرواة عن رافع الأنواع التي وقع النهي عنها، وبين علة النهي وهي ما يخشى على الزرع من الهلاك، وذلك غرر في العوض، فوجب فساد العقد، وإن كان ابن عباس عنى بما "لم ينه عنه" كراءها ببعض ما يخرج منها [ ص: 317 ] فقد روينا عمن سمع نهيه عنه، فالحكم له دونه، وقد روينا عن زيد بن ثابت ما يوافق رواية رافع وغيره، فدل أن ما أنكره غير ما أثبته، ومن العلماء من على ما لو وقعت بشروط فاسدة كالجداول والماذيانات وهي الأنهار، ونحو شرط القصارة وهي ما بقي من الحب في السنبل بعد الدرس، ويقال فيه: القصري، ونحو شرط ما سقى الربيع وهو النهر الصغير والسرى ونحوه. وجمع الربيع أربعاء.

قالوا: وكانت هذه شروطا بعد الشرط على الثلث أو النصف، فنرى أنه -عليه السلام- نهى عن المزارعة لهذه الشروط؛ لأنها مجهولة، فإذا كانت الحصص معلومة نحو النصف والثلث والربع، وعدمت الشروط الفاسدة؛ صحت المزارعة، وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل ، وأبو عبيد ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وغيرهم.

ومن أهل الرأي: أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن .

والأحاديث التي وردت في معاملة أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع حجة لهم في هذه المسألة.

وضعف أحمد حديث رافع وقال: هو كثير الألوان. وقال الخطابي: وقد عقل ابن عباس المعنى من الخبر وأن ليس المراد به تحريم المزارعة بشطر ما تخرج الأرض، فإنما أراد بذلك أن يتمانحوا أراضيهم وأن يرفق بعضهم بعضا، وقد ذكر رافع في رواية أخرى عنه في هذا الباب النوع الذي حرم منها، والعلة التي من أجلها نهي عنها، وذلك قوله: "كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله -عليه السلام- على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع...." الحديث.

فأعلمك في هذا الحديث أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم، وأنه كان من عادتهم أن يشترطوا فيها شروطا فاسدة، وأن يستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول، ويكون خاصا لرب الأرض والمزارعة، وحصة الشريك لا يجوز أن تكون مجهولة، وقد يسلم ما على السواقي والجداول، ويهلك سائر الزرع، فيبقى [ ص: 318 ] المزارع ولا شيء له، وهذا خطر، وإذا شرط رب المال على المضارب دراهم لنفسه زيادة على حصة الربح المعلومة فسدت المضاربة؛ فهذا وذلك سواء، وأصل المضاربة في السنة: المزارعة أو المساقاة، فكيف يجوز أن تصح الفروع وتبطل الأصول.

وقال أيضا: وقد أنعم محمد بن إسحاق بن خزيمة وجود وصنف في المزارعة مسألة ذكر فيها علل الأحاديث التي وردت فيها.

التالي السابق


الخدمات العلمية