صفحة جزء
7324 ص: فقال قائل ممن ذهب إلى التأويل الذي قدمنا ذكره في أول هذا الباب: من أين أجزتم بيع الغائب وهو مجهول؟

قيل له: ما هو مجهول في نفسه؛ لأنه متى رجع إليه رجع إلى معلوم بنفسه، كبيع الحنطة في سنبلها المرجوع منها إلى حنطة معلومة، وإنما الجهل في هذا هو جهل البائع والمشتري، فأما المبيع في نفسه فغير مجهول، وإنما المجهول الذي لا يجوز بيعه هو المجهول في نفسه الذي لا يرجع منه إلى معلوم كبعض طعام غير [ ص: 506 ] مسمى باعه رجل من رجل، فذلك البعض غير معلوم وغير مرجوع منه إلى معلوم، فالعقد على ذلك غير جائز، وقد وجدنا البيع يجوز عقده على طعام بعينه على أنه كذا وكذا قفيزا والبائع والمشتري لا يعلمان حقيقة كيله، فيكون من حقوق البيع وجوب الكيل للمشتري على البائع ولا يكون جهلهما به يوجب وقوع العقد على شيء مجهول، إذا كانا يرجعان منه إلى طعام معلوم فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر ومحمد بن الحسن- رحمهم الله-.


ش: أراد بالقائل المذكور: الشافعي؛ فإنه قال: بيع الغائب كيف يجوز وهو مجهول؟!

فأجاب عنه بقوله: "قيل له" أي لهذا القائل...إلى آخره وهو ظاهر.

فإن قلت: قد نهى -عليه السلام- عن بيع ما ليس عند الإنسان.

قلت: نعم والغائب هو عند بائعه لا مما ليس عنده؛ لأنه لا خلاف في لغة العرب صدق من يقول: عندي ضياع وعندي دور وعندي رقيق، والحال أنها ليست عنده، والمراد من الحديث ما ليس في ملكه.

وقال ابن حزم: والبرهان على فساد قول الشافعي قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا وقوله: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فبيع الغائب داخل فيما أحل الله وفي التجارة التي يتراضى بها المتبايعان، وكل ذلك حلال إلا بيعا حرمه الله، على لسان رسوله -عليه السلام- في القرآن أو في سنة ثابتة، وما نعلم للشافعي في المنع من بيع الغائبات الموصوفات سلفا.

التالي السابق


الخدمات العلمية