صفحة جزء
7330 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن للرجل أن يزوج ابنته البكر البالغ بغير أمرها ولا استئذانها ممن رأى، ولا رأي لها في ذلك معه عندهم، قالوا: ولما قصد النبي -عليه السلام- في الأثرين المذكورين في أول هذا الباب بما ذكرنا فيهما من الصمات والمحكوم له بحكم الإذن إلى اليتيمة، وهي التي لا أب لها، دل ذلك على أن ذات الأب في ذلك بخلافها، وأن أمر أبيها عليها أوكد من أمر سائر أوليائها بعد أبيها، وممن ذهب إلى هذا القول مالك بن أنس -رحمه الله-.


ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري وإبراهيم النخعي والليث بن سعد وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق؛ فإنهم قالوا: يجوز للرجل أن يزوج ابنته البكر البالغ رضيت بذلك أو لم ترض، وممن قال بذلك: مالك بن أنس .

وقال أبو عمر: أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها؛ لتزويج رسول الله -عليه السلام- عائشة - رضي الله عنها - وهي بنت ست سنين، إلا أن العراقيين قالوا: لها الخيار إذا بلغت، وأبى ذلك أهل الحجاز، واختلفوا في الأب هل يجبر ابنته الكبيرة على النكاح أم لا؟ فقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى: إذا كانت المرأة بكرا؛ كان لأبيها أن يجبرها على النكاح ما لم يكن ضررا بينا، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة؛ وبه قال أحمد وإسحاق .

[ ص: 514 ] وقال ابن قدامة: قال ابن المنذر: أجمع كل من حفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفؤ، يجوز له تزويجها مع كراهتها وامتناعها، وأما البكر البالغة العاقلة فعن أحمد روايتان:

إحداهما: له إجبارها على النكاح، ويزوجها بغير إذنها كالصغيرة، وهذا مذهب مالك ، وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق .

والثانية: ليس له ذلك، واختارها أبو بكر، وهو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر .

وفي "المحلى" قال ابن شبرمة: لا يجوز إنكاح الأب ابنته الصغيرة إلا حتى تبلغ وتأذن، ورأى أمر عائشة - رضي الله عنها - خصوصا للنبي -عليه السلام-.

قوله: "وقالوا" أي هؤلاء القوم، وهذا إشارة إلى وجه استدلالهم بحديث أبي موسى وأبي هريرة المذكورين فيما مضى فيما ذهبوا إليه، وهو استدلال بالمفهوم المخالف، وهو ليس بحجة فافهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية