صفحة جزء
14031 6073 - (14440) - (3 \ 320 - 321) عن جعفر قال : حدثني أبي قال : أتينا جابر بن عبد الله وهو في بني سلمة ، فسألناه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، فحدثنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج هذا العام ، قال : فنزل المدينة بشر كثير ، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويفعل مثل ما يفعل .

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر بقين من ذي القعدة ، وخرجنا معه ، حتى إذا أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أصنع ؟ قال : "اغتسلي ، ثم استذفري بثوب ، ثم أهلي " . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد : "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " ، ولبى الناس ، والناس يزيدون : ذا المعارج ، ونحوه من الكلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ، فلم يقل لهم شيئا ، فنظرت مد بصري ، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من راكب وماش ، ومن خلفه مثل ذلك ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن شماله مثل ذلك .

قال جابر : ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به ، فخرجنا لا ننوي إلا الحج ، حتى أتينا الكعبة ، فاستلم نبي الله الحجر الأسود ، ثم رمل ثلاثة ، ومشى أربعة ، حتى إذا فرغ ، عمد

[ ص: 57 ] إلى مقام إبراهيم ، فصلى خلفه ركعتين ، ثم قرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [البقرة : 125] . قال أبو عبد الله - يعني : جعفرا - : فقرأ فيها بالتوحيد ، و(قل يا أيها الكافرون) .

ثم استلم الحجر ، وخرج إلى الصفا ، ثم قرأ : إن الصفا والمروة من شعائر الله [البقرة : 158] ، ثم قال : "نبدأ بما بدأ الله به " ، فرقي على الصفا ، حتى إذا نظر إلى البيت ، كبر ، قال : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله ، أنجز وعده ، وصدق عبده ، وغلب الأحزاب وحده " ، ثم دعا ، ثم رجع إلى هذا الكلام ، ثم نزل ، حتى إذا انصبت قدماه في الوادي ، رمل ، حتى إذا صعد ، مشى ، حتى أتى المروة ، فرقي عليها ، حتى نظر إلى البيت ، فقال عليها كما قال على الصفا ، فلما كان السابع عند المروة ، قال : "يا أيها الناس ! إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، لم أسق الهدي ، ولجعلتها عمرة ، فمن لم يكن معه هدي ، فليحل ، وليجعلها عمرة " ، فحل الناس - كلهم .

فقال سراقة بن مالك بن جعشم ، وهو في أسفل المروة : يا رسول الله ! ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه ، فقال : "للأبد" ثلاث مرات ، ثم قال : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " .

قال : وقدم علي من اليمن ، فقدم بهدي ، وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من المدينة هديا ، فإذا فاطمة - رضي الله عنها - قد حلت ولبست ثيابا صبيغا ، واكتحلت ، فأنكر ذلك علي - رضي الله عنه - عليها ، فقالت : أمرني أبي . قال : قال علي بالكوفة - قال جعفر : قال أبي : هذا الحرف لم يذكره جابر - فذهبت محرشا أستفتي به النبي صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرت فاطمة ، قلت : إن فاطمة لبست ثيابا صبيغا ، واكتحلت ، وقالت : أمرني به أبي ! قال : "صدقت ، صدقت ، صدقت ، أنا أمرتها به " .

قال جابر : وقال لعلي : " بم أهللت ؟ " ، قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل

[ ص: 58 ] به رسولك . قال : ومعي الهدي ، قال : "فلا تحل " ، قال : فكانت جماعة الهدي الذي أتى به علي من اليمن ، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مئة ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثة وستين ، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر ، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر ، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها .

ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : "قد نحرت ها هنا ، ومنى كلها منحر " ، ووقف بعرفة فقال : "وقفت ها هنا ، وعرفة كلها موقف " ، ووقف بالمزدلفة ، فقال : "قد وقفت ها هنا ، والمزدلفة كلها موقف " .



* قوله : "ثم أذن " : على بناء المفعول أو الفاعل ، من التأذين ; أي : نودي ، أو أمر بندائه .

* "أن يأتم " : أي : يقتدي ، وجملة "يفعل . . . إلخ" بيان له .

* "نفست " : - بكسر الفاء - على بناء الفاعل ; أي : ولدت ، وجاء فيه على بناء المفعول .

* "اغتسلي " : أي : للتنظيف ، لا للصلاة والتطهير .

* "ثم استذفري " : الاستذفار - بالذال المعجمة - : هو الاستثفار - بالثاء المثلثة - ، قيل : بقلب الثاء ذالا ، وهو أن تشد فرجها بخرقة ; ليمنع سيلان الدم .

* "استوت به ناقته " : أي : علت به ، أو قامت مستوية على قوائمها ، والمراد : أنه بعد تمام طلوع البيداء ، لا في أثناء طلوعه .

* "البيداء " : المفازة ، وها هنا اسم موضع قريب من مسجد ذي الحليفة .

* "أهل بالتوحيد " : قيل : بالإفراد ، والصحيح بتوحيد الله تعالى ; أي : لا بتلبية الجاهلية المشتملة على الشرك .

* "لبيك . . . إلخ " : تفسير له بتقدير : قال .

* "يسمع فلم يقل شيئا " : أي : قرر لهم الزيادة ، فلا كراهة فيها .

[ ص: 59 ] * "مد بصري " : أي : منتهى بصري ، وأنكر بعض أهل اللغة ذلك ، وقال : الصواب : مدى بصري - بفتح الميم - .

قال النووي : ليس بمنكر ، بل هما لغتان ، والمد أشهر .

* "وبين يدي " : أي قدامه .

* "من راكب " : أي : فرأيت من راكب وماش ما لا يحصى .

* "مثل ذلك " : أي : رأيت مثل ذلك ، أو كان مثل ذلك ، وعلى الأول بالنصب ، وعلى الثاني بالرفع .

* "عليه ينزل القرآن " : هو حث على التمسك بما أخبر به عن فعله .

* "لا ننوي إلا الحج " : أي : غالبنا ، وإلا فقد اعتمر بعضهم ، أو قارن .

* "ثم قرأ : واتخذوا . . . إلخ " : أي : ليعلم تفسيره بفعله .

* "قال أبي " : هو الأب المضاف إلى ياء المتكلم ، وهذا من كلام جعفر بن محمد ، كما نبه عليه أبو عبد الله .

* "فقرأ فيها " : أي : في تلك الصلاة .

* "بالتوحيد " : أي : بـ قل هو الله أحد [الإخلاص : 1] ، في ركعة ، و قل يا أيها الكافرون [الكافرون : 1] ; أي : في ركعة أخرى ، والواو لا تستلزم الترتيب ، فلا يلزم أن يكون في الأولى قل هو الله أحد بل الظاهر العكس .

* "نبدأ بما بدأ الله به " : يفيد أن بداية الله ذكرا تقتضي البداية عملا ، والظاهر أنه يقتضي ندب البداية عملا ، لا وجوبها ، والوجوب فيما نحن فيه من دليل آخر .

* "فرقي " : - بكسر القاف - ، و"غلب" - بالتخفيف - ، والمراد "بالأحزاب " :

[ ص: 60 ] أحزاب أهل الكفر ، ويحتمل - على التشديد - على أن المراد بالأحزاب : أحزاب أهل الإسلام ; أي : عليهم على أهل الشرك .

* "انصبت " : - بتشديد الباء - ; أي : انحدرتا بالسهولة حتى وصلتا إلى بطن الوادي .

* "صعد " : أي : خرج من بطن الوادي إلى طرفه الأعلى .

* "مشى " : أي : سار على السكون .

* "ألعامنا هذا ؟ " : أي : العمرة في أشهر الحج ، أو الفسخ ؟ والجمهور على الأول ، وعليه : فمعنى قوله : "دخلت العمرة في الحج " : أي : حلت في أشهر الحج ، وصحت ، وعلى الثاني : دخلت نية العمرة في نية الحج ; بحيث من نوى الحج صح له الفراغ منه بالعمرة .

* "محرشا " : من التحريش ، وهو الإغراء ، قيل : المراد ها هنا : ذكر ما يوجب عتابه لي .

* و"ما غبر " : أي : ما بقي .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية