صفحة جزء
15754 6945 - (16187) - (4\11) عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضحك ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره " قال : قلت : يا رسول الله، أويضحك الرب عز وجل؟ قال : " نعم " قال : لن نعدم من رب يضحك خيرا.


* قوله : "ضحك" : كفرح .

* "ربنا" : - بالرفع - : فاعل ضحك .

قيل : الضحك من الله تعالى : الرضا ، وإرادة الخير ، وقيل : بسط الرحمة ، والإقبال بالإحسان ، أو بمعنى : أمر الملائكة بالضحك ، والإذن لهم فيه; كما يقال : قتله السلطان : إذا أمر بقتله .

وقال ابن حبان في "صحيحه" : هو من نسبة الفعل إلى الآمر ، وهو في كلام العرب كثير .

وقال بعض المحققين : إن مثل الضحك; مما هو من قبيل الانفعال ، إذا نسب إلى الله تعالى ، يراد به : غايته .

وقيل : بل المراد إيجاد الانفعال في الغير ، فالمراد هاهنا الإضحاك ، ومذهب [ ص: 260 ] أهل التحقيق أنه صفة سمعية يلزم إثباتها مع نفي التشبيه وكمال التنزيه; كما أشار إلى ذلك مالك ، وقد سئل عن الاستواء فقال : الاستواء معلوم ، والكيف غير معلوم ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .

* "من قنوط عباده" : القنوط; كالجلوس : هو اليأس ، ولعل المراد هاهنا : هو الحاجة والفقر; أي : يرضى عليهم ، ويقبل عليهم بالإحسان إذا نظر إلى فقرهم وفاقتهم وذلهم ، وإلا فالقنوط من رحمته تعالى يوجب الغضب لا الرضا ، قال تعالى : لا تقنطوا من رحمة الله [الزمر : 53] ، وقال : ولا تيأسوا من روح الله [يوسف : 87] الآية ، إلا أن يقال : ذاك هو القنوط بالنظر إلى كرمه وإحسانه; مثل ألا يرى له كرما وإحسانا ، أو يرى قليلا ، فيقنط لذلك ، فهذا هو الكفر المنهي عنه أشد النهي ، وأما القنوط بالنظر إلى أعماله وقبائحه ، فهو مما يوجب للعبد تواضعا وخشوعا وانكسارا ، فيوجب الرضا ، ويجلب الإحسان والإقبال من الله تعالى ، ومنشأ هذا القنوط هو الغيبة عن صالح الأعمال ، واستعظام المعاصي إلى الغاية ، وكل منهما مطلوب محبوب ، ولعل هو هذا سبب مغفرة من أمر أهله بإحراقه بعد الموت حين أيس من المغفرة .

* "وقرب غيره" : ضبط - بكسر معجمة ، ففتح ياء - : بمعنى : تغير الحال ، وهو اسم من قولك : غيرت الشيء فتغير ، وضميره لجنس العبد ، والمراد : تغير حاله من القوة إلى الضعف ، ومن الحياة إلى الموت ، وهذه الأحوال مما يجلب الرحمة لا محالة في الشاهد ، فكيف لا تكون أسبابا عادية لجلبها من أرحم الراحمين؟

والأقرب أن الغير بمعنى : تغيير الحال وتحويله ، وبه تشعر عبارة "القاموس" ، لا تغير الحال وتحوله كما في "النهاية" ، والضمير لله .

[ ص: 261 ] والمعنى : أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير من الخير بأدنى شر وقع عليه ، مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير ، ومن مرض إلى عافية ، ومن بلاء ومحنة إلى سرور وفرحة ، لكن الضحك على هذا لا يمكن تفسيره بالرضا .

* "لن نعدم" : من عدمه; كعلمه : إذا فقده ، يريد : أن الرب تعالى إذا كان من صفاته الضحك ، فلا نفقد خيره ، بل كلما احتجنا إلى خيره ، وجدناه; فإنا إذا أظهرنا الفاقة لديه ، يضحك فيعطي .

وفي راوية ابن ماجه ما يقتضي أن الحديث حسن ، والله تعالى أعلم .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية