صفحة جزء
19036 8355 - (19530) - (4 \ 395) عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع فقال: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل ".


[ ص: 425 ] * قوله: "قام فينا. . . إلخ": أي: قام خطيبا فينا، مذكرا بأربع كلمات، فقوله: "فينا" و"بأربع" حالان مترادفان، أو متداخلان، ويحتمل أن يكون "فينا" متعلقا بـ"قام فينا" على تضمين معنى خطب، و"بأربع" حالا؛ أي: خطب فينا قائما مذكرا بأربع كلمات، والقيام على الوجهين على ظاهره، ويحتمل أن يكون "بأربع" متعلقا بقام، و"فينا" بيانا، أو القيام على هذا من قام بالأمر: إذا تشمر وتجلد له؛ أي: تشمر بحفظ هذه الكلمات، وكأن السامع حين سمع ذلك قال: في حق من؟ أجيب: فينا؛ أي: في حقنا، كذا ذكره الطيبي.

قلت: وعلى الوجه الثالث لو جعل "فينا" متعلقا بقام من غير اعتبار سؤال؛ أي: قام بأربع كلمات في حقنا، ولأجل انتفاعنا، كان صحيحا، والأقرب أن المعنى: قام فيما بيننا بتبليغ أربع كلمات؛ أي: بسببه، فالجاران متعلقان بالقيام، وهو على ظاهره، ولك أن تجعل القيام من قام بالأمر، وتجعل "فينا" بمعنى: فيما بيننا متعلقا به أيضا، فالوجوه ستة، وزعم الطيبي أنها ثلاثة.

* "بأربع": أي: بأربع كلمات، وجاء في بعض الروايات: "بخمس كلمات" والمراد بالكلمة: الجملة المركبة المفيدة، ففي هذه الرواية اختصار، والكلمة الخامسة: "حجابه النور".

* "لا ينام": إذ النوم لاستراحة القوى والحواس، وهي على الله تعالى محال.

* "ولا ينبغي لى": أي: لا يصح ولا يستقيم له النوم، فالكلمة الأولى للدلالة على عدم صدور النوم، والثانية للدلالة على استحالته عليه تعالى، ولا يلزم من عدم الصدور استحالته، فلذلك ذكرت الكلمة الثانية بعد الأولى.

* "يخفض القسط ويرفعه": قيل: أريد بالقسط: الرزق؛ لأنه قسط كل مخلوق؛ أي: نصيبه، وخفضه: تقليله، ورفعه: تكثيره.

[ ص: 426 ] وقيل: القسط: الميزان؛ لأنه يقع به المعدلة في القسمة، والمعنى: أن الله تعالى يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه، وأرزاقهم النازلة من عنده؛ كما يرفع الوزان يده ويخفضها عند الوزن.

وقيل: هو إشارة إلى أنه يحكم بين خلقه بميزان العدل، فأمره كأمر الوزان الذي يخفض يده ويرفعها، وهذا أنسب بما قبله؛ كأنه قيل: كيف يجوز عليه النوم، وهو الذي يتصرف أبدا في ملكه بميزان العدل؟!

* "يرفع إليه": أي: للعرض عليه، وإن كان هو تعالى أعلم به؛ ليأمر ملائكته بإمضاء ما قضى لفاعله جزاء له على فعله، أو رفع إلى خزائنه ليحفظ إلى يوم الجزاء.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية