صفحة جزء
1778 999 - (1775) - (1 \ 207) أخبرني كثير بن عباس بن عبد المطلب ، عن أبيه العباس ، قال : شهـدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ، قال : فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم نفارقه ، وهو على بغلة شهباء - وربما قال معمر : بيضاء - أهداها له فروة بن نعامة الجذامي ، فلما التقى المسلمون والكفار ، ولى المسلمون مدبرين ، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار ، قال العباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها ، وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا عباس ! ناد : يا أصحاب السمرة " ، قال : وكنت رجلا صيتا ، فقلت بأعلى صوتي : أين أصحاب السمرة ؟ قال : فوالله ! لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ، فقالوا : يا لبيك يا لبيك يا لبيك . وأقبل المسلمون ، فاقتتلوا هم والكفار ، فنادت الأنصار يقولون : يا معشر الأنصار ! ثم قصرت الداعون على بني الحارث بن الخزرج ، فنادوا : يا بني الحارث بن الخزرج ! قال : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على بغلته ، كالمتطاول عليها إلى قتالهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا حين حمي الوطيس " ، قال : ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات ، فرمى بهن وجوه الكفار ، ثم قال : "انهزموا ورب الكعبة انهزموا ورب

[ ص: 236 ] الكعبة " ، قال : فذهبت أنظر ، فإذا القتال على هيئته فيما أرى ، قال : فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته ، فما زلت أرى حدهم كليلا ، وأمرهم مدبرا ، حتى هزمهم الله . قال : وكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته .



* قوله : "وما معه إلا أنا وأبو سفيان " : أراد بالمعية القرب منه ، واللزوم معه ; كما يدل عليه السوق ، لا الثبوت في الحرب وعدم الفرار ، وإلا فقد ثبت أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وغيرهم أيضا ، ذكره في "المواهب " .

* "شهباء " : الشهب - بفتحتين - : بياض يخالطه سواد .

* "فروة بن نعامة " : قال النووي : الصحيح المعروف : نفاثة - بنون مضمومة ثم فاء مخففة ثم ألف ثم ثاء مثلثة - ، وفي رواية : نعامة - بالعين والميم .

* "ولى " : بتشديد اللام - .

* "يركض " : كينصر ; أي : يسرع .

* "وهو لا يألو " : أي : لا يقصر ولا يترك .

* "ما أسرع " : أي : الإسراع .

* "السمرة " : بفتح فضم - : اسم شجرة بايعوا تحتها .

* "عطفتهم " : ضبط - بفتح العين - ; أي : انصرافهم ، ويمكن أن يكون - بكسر العين - ; أي : كيفية رجوعهم وانصرافهم .

* "فنادت الأنصار " : أي : بعضهم بعضا .

وفي "الترتيب " : فبادر الأنصار .

* "ثم قصرت " : على بناء المفعول .

[ ص: 237 ] * "هذا حين حمي الوطيس " : "حين" - بالفتح - مبني ; لإضافته إلى الجملة ، و"حمي" - بكسر الميم - من حميت النار : إذا اشتد حرها ، و"الوطيس" - بفتح واو وكسر طاء مهملة وبسين مهملة - : التنور ، أراد : الحرب ، والظاهر أن خبر "هذا" هو "حين حمي الوطيس " ، وقيل : محذوف ، والتقدير : هذا القتال حين حمي الوطيس .

وفي "المواهب " : الوطيس : هو التنور يخبز فيه ، يضرب مثلا لشدة الحرب الذي يشبه حرها حره ، وهذا من فصيح الكلام الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم .

* "انهزموا " : على لفظ الخبر .

* "فذهبت أنظر " : أي : قبيل الرمي ، أو عند الرمي متصلا به .

* "ما هو " : أي : انهزامهم .

* "إلا أن " : أي : بأن رماهم ; أي : بسببه .

* "حدهم " : - بفتح الحاء المهملة - ; أي : ما زلت أرى قوتهم ضعيفة .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية