صفحة جزء
22040 9625 - (22546) - (5 \ 298) عن أبي قتادة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: "إنكم إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا". وانطلق سرعان الناس يريدون الماء، ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمالت برسول الله صلى الله عليه وسلم: راحلته، فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعمته فادعم، ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال: "من الرجل؟ " قلت: أبو قتادة. قال: "مذ كم كان مسيرك؟ " قلت: منذ الليلة. قال: "حفظك الله كما حفظت رسوله". ثم قال: "لو عرسنا". فمال إلى شجرة فنزل فقال: "انظر هل ترى أحدا؟ " قلت: هذا راكب هذان راكبان، حتى بلغ سبعة، فقال: "احفظوا علينا صلاتنا". فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس، فانتبهنا فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار وسرنا هنية، [ ص: 251 ] ثم نزل فقال: "أمعكم ماء؟ " قال: قلت: نعم. معي ميضأة فيها شيء من ماء. قال: "ائت بها" فأتيته بها. فقال: "مسوا منها مسوا منها". فتوضأ القوم وبقيت جرعة. فقال: "ازدهر بها يا أبا قتادة؛ فإنه سيكون لها نبأ".

ثم أذن بلال، وصلوا الركعتين قبل الفجر، ثم صلوا الفجر، ثم ركب وركبنا. فقال بعضهم لبعض: فرطنا في صلاتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإلي". قلنا: يا رسول الله، فرطنا في صلاتنا. فقال: "لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلوها، ومن الغد وقتها". ثم قال: "ظنوا بالقوم". قالوا: إنك قلت بالأمس: "إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا". فالناس بالماء. فقال: "أصبح الناس، وقد فقدوا نبيهم، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء. وفي القوم أبو بكر، وعمر فقالا: أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم. وإن يطع الناس أبا بكر، وعمر يرشدوا". قالها ثلاثا.

فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، هلكنا عطشا تقطعت الأعناق. فقال: "لا هلك عليكم"، ثم قال: "يا أبا قتادة ائت بالميضأة". فأتيته بها فقال: "احلل لي غمري - يعني قدحه - " فحللته فأتيته به فجعل يصب فيه، ويسقي الناس فازدحم الناس عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، أحسنوا الملأ؛ فكلكم سيصدر عن ري، فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب لي فقال: "اشرب يا أبا قتادة". قال: قلت: اشرب أنت يا رسول الله. قال: "إن ساقي القوم آخرهم". فشربت وشرب بعدي، وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها، وهم يومئذ ثلاث مائة، قال عبد الله: فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدث هذا الحديث في المسجد الجامع فقال: من الرجل؟ قلت: أنا عبد الله بن رباح الأنصاري. قال: القوم أعلم بحديثهم انظر كيف تحدث، فإني أحد السبعة تلك الليلة، فلما فرغت، [ ص: 252 ] قال: ما كنت أحسب أن أحدا يحفظ هذا الحديث غيري.



* قوله: "إلا تدركوه": فيه إدغام نون "إن" الشرطية في لام "لا" النافية.

* "سرعان": - بفتحتين -؛ أي: أوائلهم الذين يسارعون إلى الأمر.

* "فنعس": - بفتح العين -، والفاء للتعليل، أي: مالت به راحلته؛ لأنه كان نعسان، والنعاس مقدمة النوم.

* "فدعمته": أي: أقمت ميله، وصرت تحته كالدعامة تحت البناء.

* "فادعم": - بتشديد الدال لإدغام تاء الافتعال فيه - أي: فاستوى، وقبل الدعامة.

* "أن ينجفل": أي: يسقط.

* "لو عرسنا": من التعريس، وهو نزول المسافر آخر الليل، و "لو" للتمني، أو للشرط، وجوابه مقدر، أي: لكان أحسن.

* "ميضأة": - بكسر الميم وبعد الضاد همزة، يمد ويقصر -، وهي الإناء الذي يتوضأ به؛ كالركوة.

* "مسوا": أي: توضؤوا بقليل.

* "جرعة": - بالضم -: اسم للقليل، و - بالفتح -: للمرة، والضم أشهر.

* "ازدهر بها": أي: احتفظ بها، وقيل: أي: افرح بها، قلبت داله من تاء الافتعال.

* "نبأ": أي: خبر عظيم، وشأن غريب، وفيه من المعجزة ما لا يخفى. [ ص: 253 ]

* "فرطنا": من التفريط، أي: قصرنا.

* "فشأنكم": - بالرفع -؛ أي: فهو شأنكم، أو - بالنصب -؛ أي: فالزموا شأنكم، والمراد: فلا حاجة إلى رفعه إلي.

* "في النوم": أي: فيما فات في النوم.

* "فإذا كان ذلك": أي: فإذا حصل ذلك الفوت في النوم.

* "فصلوها": أي: إذا قمتم من النوم.

* "ومن الغد وقتها": - بالنصب -؛ أي: صلوا من الغد في الوقت، ولا تتخذوا الإخراج عن الوقت عادة، أو - بالرفع -، والمراد: ومن الغد الوقت وقتها المعهود، وليس المراد: اقضوا تلك الصلاة مرة ثانية من الغد.

* "ظنوا": أمر من الظن، أي: خمنوا في حالهم.

* "ويخلفكم": من التخليف.

* "رفع": - على بناء المفعول -.

* "لا هلك: - بضم الهاء -، وهو الهلاك.

* "غمري": - بضم الغين المعجمة وفتح الميم وبالراء المهملة -: هو القدح الصغير.

* "الملأ": - بفتحتين آخره همزة -؛ أي: الخلق والمعاملة.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية