صفحة جزء
5 5 - (5) - (1 \ 3) عن أوسط، قال: خطبنا أبو بكر، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام الأول، وبكى أبو بكر، فقال أبو بكر: سلوا الله المعافاة - أو قال:

[ ص: 22 ] العافية - فلم يؤت أحد قط بعد اليقين أفضل من العافية
- أو المعافاة - عليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والكذب فإنه مع الفجور، وهما في النار، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، وكونوا إخوانا كما أمركم الله .



* قوله: "عام الأول" : من لا يجوز إضافة الموصوف إلى صفته يؤوله بنحو: عام الزمان الأول، والمراد: العام السابق على هذا العام.

* "فقال أبو بكر" : ظاهر لفظ حديث أوسط بجميع رواياته المذكورة في الكتاب الوقف، لكن تقديمه قوله: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . إلخ، وكذا النظر في المتن يقتضي الرفع بتقدير: فقال حاكيا راويا عنه، أو ناقلا قوله، ويؤيده حديث رفاعة عن أبي بكر الآتي، بل يصرح به حديث أبي عبيدة عنه، وحديث عمر عنه، وحديث أبي هريرة عنه.

* "أفضل من العافية" : فإنها السلامة من آفات الظاهر وأمراض البدن وعاهاته، كما أن اليقين سلامة من آفة القلب ومرضه الذي هو الشك والتكذيب، ولا شك أن صلاح الباطن أقدم من صلاح الظاهر، والأمر يحتاج إليهما جميعا، ولا ينتظم بدونهما، لا في الدين، ولا الدنيا، بقي أن المرض الذي لا يؤدي إلى خلل في الدين، لا ينافي العاقبة، كيف والأخيار يسألون العافية، ومع ذلك كثيرا ما تحصل لهم الأمراض.

* "أو المعافاة" : مبالغة في العافية.

* "بالصدق" : أي: مع الخالق والخلق.

* "فإنه مع البر" : أي: يعد معه، وينتظمان في سلك واحد، أو يؤدي إليه كما جاء في رواية: "أنه يهدي إلى البر"، فالمعية كما في قوله تعالى:

[ ص: 23 ] إن مع العسر يسرا [الشرح: 6]، ومثله قوله: "فإنه مع الفجور".

قيل: البر كلمة جامعة للخير، وقيل: هو العمل الخالص من كل مذموم، والفجور خلافه، ثم لعل الكذب بخاصيته يفضي بالإنسان إلى القبائح، والصدق بخلافه.

وقيل: المراد بالبر في قوله: "يهدي إلى البر" نفس ذلك الصدق، وكذا في الفجور في قوله: "يهدي إلى الفجور" نفس ذلك الكذب، والهداية إليه باعتبار المغايرة الاعتبارية في المفهوم والعنوان كما يقال: العلم يؤدي إلى الكمال.

وقال ابن العربي: إذا تحرى الصدق، لم يعص أبدا; لأنه إن أراد أن يفعل شيئا من المعاصي، خاف أن يقال: أفعلت كذا؟ فإن سكت، جر الريبة، وإن قال: لا، كذب، وإن قال: نعم، فسق، وسقطت منزلته، وذهبت حرمته.

* "وهما في الجنة" : أي: أهلهما أو أصحابهما، أو هما في خصال الجنة معدودان منها.

* "لا تحاسدوا. . . إلخ" : الحسد: كراهة ما يرى من نعمة الله تعالى على غيره، والبغض: ضد المحبة، وهي إرادة المضرة، والتدابر: أن يولي كل واحد منهم صاحبه دبره، إما بالأبدان، أو بالآراء والأقوال، والمراد بقوله: لا تحاسدوا: لا يتمنى بعضكم زوال نعمة بعض، سواء أرادها لنفسه، أو لا. قالوا: إلا إذا كان مستعينا بالنعمة على المعصية.

* "إخوانا كما أمركم الله" : أي: إخوانا في الطاعة والمعاونة في الخير، لا في المعصية، ولذلك قال: "كما أمركم الله"، والله تعالى أعلم.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية