صفحة جزء
2132 1253 - (2131) - (1 \ 238) عن ابن عباس ، قال : لما نزلت : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا [النور : 4] ، قال سعد بن عبادة ، وهو سيد الأنصار : أهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر الأنصار ! ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم ؟ " ، قالوا : يا رسول الله ! لا تلمه ; فإنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا ، وما طلق امرأة له قط ، فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها ; من شدة غيرته . فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق ، وأنها من الله ، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه ، حتى آتي بأربعة شهداء ، فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته .

قال : فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية ، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ، فجاء من أرضه عشاء ، فوجد عند أهله رجلا ، فرأى بعينيه ، وسمع بأذنيه ، فلم يهجه ، حتى أصبح ، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله !

[ ص: 372 ] إني جئت أهلي عشاء ، فوجدت عندها رجلا ، فرأيت بعيني ، وسمعت بأذني . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به ، واشتد عليه ، واجتمعت الأنصار ، فقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة ، الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ، ويبطل شهادته في المسلمين . فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا ، فقال هلال : يا رسول الله ! إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به ، والله يعلم إني لصادق .

فوالله ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، وكان إذا نزل عليه الوحي ، عرفوا ذلك في تربد جلده ، يعني : فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي ، فنزلت : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم [النور : 6] ، الآية كلها ، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "أبشر يا هلال ، قد جعل الله لك فرجا ومخرجا " ، فقال هلال : قد كنت أرجو ذاك من ربي - عز وجل - . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أرسلوا إليها " ، فأرسلوا إليها ، فجاءت ، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما ، وذكرهما ، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ، فقال هلال : والله يا رسول الله ! لقد صدقت عليها . فقالت : كذب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لاعنوا بينهما " ، فقيل لهلال : اشهد ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فلما كان في الخامسة ، قيل : يا هلال اتق الله ; فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فقال : لا والله لا يعذبني الله عليها ، كما لم يجلدني عليها فشهد في الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم قيل لها : اشهدي أربع شهادات بالله : إنه لمن الكاذبين . فلما كانت الخامسة ، قيل لها : اتق الله ; فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فتلكأت ساعة ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي . فشهدت في الخامسة : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن

[ ص: 373 ] لا يدعى ولدها لأب ، ولا ترمى هي به ، ولا يرمى ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها ، فعليه الحد ، وقضى أن لا بيت لها عليه ، ولا قوت ; من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ، ولا متوفى عنها ، وقال : "إن جاءت به أصيهب ، أريسح حمش الساقين ، فهو لهلال ، وإن جاءت به أورق جعدا ، جماليا ، خدلج الساقين ، سابغ الأليتين ، فهو للذي رميت به " ، فجاءت به أورق ، جعدا ، جماليا ، خدلج الساقين ، سابغ الأليتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لولا الأيمان ، لكان لي ولها
شأن " .

قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميرا على مصر ، وكان يدعى لأمه ، وما يدعى لأب .


* قوله : "أهكذا أنزلت " : هذا تعريض منه بأنه حكم شديد ، ولم يرد رده وإنكاره .

* "ما يقول سيدكم " : قيل : في ذكر السيد إشعار بأن الغيرة من عادات السادات .

* "لا تلمه " : من اللوم .

* "لكاعا " : - بفتح اللام والكاف - : يقال ذلك لمن تستحقر من النساء ; أي : المرأة الساقطة الدنية .

* "تفخذها رجل " : كناية عن الجماع .

* قوله : "أن أهيجه " : من هاجه : إذا أثاره .

* "أحد الثلاثة الذين تيب عليهم " : أي : المذكورون في قوله تعالى : وعلى الثلاثة الذين خلفوا [التوبة : 118] . الآية .

* "فكره " : لكونه قذفا يوجب عليه الحد .

* "إلا أن يضرب " : هكذا في غالب "الأصول " ، و"الترتيب " ، وفي نسخة :

[ ص: 374 ] "الآن يضرب " ، وهو الظاهر ، وكأن معنى "إلا أن يضرب . . . إلخ " : أنه إذا ضرب ، ينقطع الكلام من بين الناس .

* "في تربد جلده " : - براء موحدة ودال مهملة - ; أي : تغيره إلى الغبرة .

* "فسري " : على بناء المفعول - مشددا ومخففا - ; أي : أزيل وكشف .

* "التي توجب عليك العذاب " : أي : إن كنت كاذبا .

* "فتلكأت " : أي : توقفت .

* "والله لا أفضح " : من فضحه ; كمنع ، وكأن هذا قالته في النفس .

* "فعليه الحد " : يدل على أن اللعان مع الولد لا يمنع وجوب الحد على القاذف ، فهذا حجة على من قال : إنه لا حد على قاذف الملاعنة إذا كانت معها ولد ; كعلمائنا الحنفيين .

* "أن لا بيت لها عليه ولا قوت " : هكذا في أصلنا ، وكذلك في "الترتيب" ; أي : لا سكنى لها عليه ، ولا نفقة ، وهذا هو الموافق لرواية أبي داود .

وفي بعض النسخ : "أن لا يثبت لها عليه قوت " .

* "ولا متوفى عنها " : أي : ولا هي متوفى عنها .

* "أصيهب " : تصغير أصهب ، وهو الذي في شعره حمرة يعلوها سواد ، وحمل ها هنا على أن لونه كذلك .

* قوله : "أريسح " : تصغير أرسح - براء وسين وحاء مهملات - ، وهو الخفيف الأليتين ، ويقال له : أرصح - بالصاد بدل السين - .

* "حمش الساقين " : - بحاء مهملة مفتوحة وميم ساكنة وشين معجمة - ; أي : دقيقهما .

[ ص: 375 ] * "أورق " : أي : أسمر ، أو أسود .

* "جعدا " : أي : ليس بسبط الشعر .

* "جماليا " : - بضم جيم وتخفيف ميم وكسر لام وتشديد مثناة تحتية - ; أي : عظيم الخلق ، ضخم الأعضاء ، تام الأوصال ، شبه خلقه بخلق الجمل .

* "خدلج الساقين " : - بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة واللام المشددة وجيم - ; أي : غليظهما .

* "سابغ الأليتين " : الألية - بفتح الهمزة - : لحمة المؤخر من الحيوان ، معلومة ، وهي من ابن آدم المقعدة ، وجمعها أليات - بفتح اللام - ، كذا في "المشارق" ; أي : تامهما وعظيمهما .

* "لكان لي ولها شأن " : في إقامة الحد عليها ، كذا قالوا ، ويلزم أن يقام الحد بالأمارات على من لم يلاعن ، والله تعالى أعلم .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية