صفحة جزء
14857 6394 - (15281) - (3 \ 397 - 380) عن جابر بن عبد الله ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم ، وقال لي أبي عبد الله : يا جابر ، لا عليك أن تكون في نظاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا ، فإني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي ، لأحببت أن تقتل بين يدي .

قال فبينما أنا في النظارين ، إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح ، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا ، إذ لحق رجل ينادي : ألا إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى ، فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت ، فرجعنا بهما فدفناهما حيث قتلا .

فبينما أنا في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، إذ جاءني رجل فقال : يا جابر بن عبد الله ! والله لقد أثار أباك عمال معاوية ، فبدا ، فخرج طائفة منه . فأتيته فوجدته على النحو الذي دفنته ، لم يتغير إلا ما لم يدع القتل - أو القتيل - فواريته .

قال : وترك أبي عليه دينا من التمر ، فاشتد علي بعض غرمائه في التقاضي ، فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا نبي الله ! إن أبي أصيب يوم كذا وكذا ، وترك عليه دينا من التمر ، وقد اشتد علي بعض غرمائه في التقاضي ، فأحب أن تعينني عليه ، لعله أن ينظرني طائفة من تمره إلى هذا الصرام المقبل . فقال : "نعم ، آتيك إن شاء الله قريبا من وسط النهار " ، وجاء معه حواريوه ، ثم استأذن ، فدخل وقد قلت لامرأتي : إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءني اليوم وسط النهار ، فلا أرينك ، ولا تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي بشيء ، ولا تكلميه . فدخل ; ففرشت له فراشا ووسادة ، فوضع رأسه ، فنام . قال : وقلت لمولى لي : اذبح هذه العناق - وهي داجن سمينة

[ ص: 219 ] - والوحى والعجل ، افرغ منها قبل أن يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معك . فلم نزل فيها حتى فرغنا منها ، وهو نائم ، فقلت له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ يدعو بالطهور ، وإني أخاف إذا فرغ أن يقوم ، فلا يفرغن من وضوئه حتى تضع العناق بين يديه . فلما قام قال : "يا جابر ، ائتني بطهور " ، فلم يفرغ من طهوره حتى وضعت العناق عنده ، فنظر إلي فقال : "كأنك قد علمت حبنا للحم ، ادع لي أبا بكر " ، قال : ثم دعا حواريه الذين معه ، فدخلوا ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال : "باسم
الله ، كلوا " ، فأكلوا حتى شبعوا ، وفضل لحم منها كثير .

قال : والله ! إن مجلس بني سلمة لينظرون إليه ، وهو أحب إليهم من أعينهم ، ما يقربه رجل منهم مخافة أن يؤذوه ، فلما فرغوا ، قام وقام أصحابه ، فخرجوا بين يديه ، وكان يقول : "خلوا ظهري للملائكة" واتبعتهم حتى بلغوا أسكفة الباب . قال : وأخرجت امرأتي صدرها ، وكانت مستترة بسفيف في البيت ، قالت : يا رسول الله ! صل علي وعلى زوجي صلى الله عليك . فقال : "صلى الله عليك وعلى زوجك " .

ثم قال : "ادع لي فلانا" لغريمي الذي اشتد علي في الطلب . قال : فجاء فقال : "أيسر جابر بن عبد الله - يعني : إلى الميسرة - طائفة من دينك الذي على أبيه ، إلى هذا الصرام المقبل " ، قال : ما أنا بفاعل . واعتل ، وقال : إنما هو مال يتامى . فقال : "أين جابر ؟ " ، فقال : أنا ذا يا رسول الله . قال : "كل له ; فإن الله سوف يوفيه " ، فنظرت إلى السماء ، فإذا الشمس قد دلكت . قال : "الصلاة يا أبا بكر " ، فاندفعوا إلى المسجد ، فقلت : قرب أوعيتك ، فكلت له من العجوة ، فوفاه الله ، وفضل لنا من التمر كذا وكذا ، فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده كأني شرارة ، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى ، فقلت : يا رسول الله ! ألم تر أني كلت لغريمي تمره فوفاه الله ، وفضل لنا من التمر كذا وكذا ؟ ! فقال : "أين عمر بن الخطاب ؟ " ، فجاء يهرول ، فقال : "سل جابر بن عبد الله عن غريمه

[ ص: 220 ] وتمره ؟ " ، فقال : ما أنا بسائله ، قد علمت أن الله سوف يوفيه ، إذ أخبرت أن الله سوف يوفيه . فكرر عليه هذه الكلمة ثلاث مرات ، كل ذلك يقول : ما أنا بسائله . وكان لا يراجع بعد المرة الثالثة ، فقال : يا جابر ! ما فعل غريمك وتمرك قال : قلت : وفاه الله ، وفضل لنا من التمر كذا وكذا .

فرجع إلى امرأته ، فقال : ألم أكن نهيتك أن تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : أكنت تظن أن الله يورد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي ، ثم يخرج ولا أسأله الصلاة علي وعلى زوجي قبل أن يخرج ؟ ! .



* قوله : "لا عليك أن تكون في نظاري أهل المدينة " : - بفتح نون وتشديد ظاء - ; أي : في جملة الناظرين لعاقبة الأمر من أهل المدينة .

* "أن تقتل " : على بناء المفعول ; أي : ليس المقصود البخل بك ، وإنما المقصود الشفقة على البنات بأن تكون لهن بعدي .

* "ما لم يدع القتل " : أي : ما لم يتركه القتل ; أي : ما غيره القتل .

* "ينظرني طائفة " : أي : يؤخر مطالبتها .

* "إلى هذا الصرام " : - بكسر الصاد - ; أي : إلى قطع التمر في السنة الآتية .

* "والوحى والعجل " : في "المجمع" الوحى : السرعة ، يمد ويقصر ، وينصب على الإغراء .

* "افرغ " : من الفراغ .

* "إن مجلس بني سلمة " : أي : أهله ، وهم قبيلة جابر .

* "وكان يقول " : أي : لمن تبعه ومشى خلفه : "خل ظهري " ، وفي بعض النسخ : "خلوا" بالجمع .

* "قد دلكت " : أي : زالت .

* "كأني شرارة " : أي : في السرعة .

[ ص: 221 ] * "أطير " : كما تطير شرارة النار .

* "وكان لا يراجع " : على بناء المفعول ; أي : ولذلك قال عمر بعد المرة الثالثة : يا جابر ! ما فعل الله ; . . . إلخ .

* "فرجع " : أي : جابر .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية