صفحة جزء
6441 2928 - (6477) - (2 \ 158) عن عبد الله بن عمرو قال: زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها، مما بي من القوة على العبادة، من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كنته، حتى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرجال أو كخير البعولة، من رجل لم يفتش لنا كنفا، ولم يعرف لنا فراشا، فأقبل علي، فعذمني، وعضني بلسانه، فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب، فعضلتها، وفعلت، وفعلت ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني، فأرسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته، فقال لي: " أتصوم النهار؟ " قلت: نعم، قال: " وتقوم الليل؟ " قلت: نعم، قال: " لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني " قال: " اقرأ القرآن في كل شهر "، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: " فاقرأه في كل عشرة أيام "، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، - قال أحدهما، إما حصين وإما مغيرة - قال: " فاقرأه في كل ثلاث "، قال: ثم قال: " صم في كل شهر ثلاثة أيام "، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتى قال: " صم يوما وأفطر يوما، فإنه أفضل الصيام، وهو صيام أخي داود " صلى الله عليه وسلم " قال حصين في حديثه: ثم قال صلى الله عليه وسلم: " فإن لكل عابد شرة، ولكل شرة فترة، فإما إلى سنة، وإما إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنة، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك " [ ص: 283 ] قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو، حيث ضعف وكبر، يصوم الأيام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوى بذلك، ثم يفطر بعد تلك الأيام، قال: وكان يقرأ في كل حزبه كذلك، يزيد أحيانا، وينقص أحيانا، غير أنه يوفي العدد، إما في سبع، وإما في ثلاث، قال: ثم كان يقول بعد ذلك: " لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي مما عدل به أو عدل، لكني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره ".


* قوله: " لا أنحاش لها": من الانحياش، وهو الاكتراث.

* "إلى كنته": - بفتح كاف وتشديد نون - أي: امرأة ابنه، وجمعها: كنائن.

* "من رجل": هذا من قبيل: عز من قائل.

* "كنفا": أكثر ما يروى - بفتح كاف ونون - بمعنى: الجانب؛ أي: إنه لم يقربها، وقيل: بفتحتين: الساتر، أو الكنيف؛ أي: لم يضاجعنا حتى يطأ فراشنا، أو لم يطعم عندنا حتى يحتاج أن يفتش عن موضع قضاء الحاجة، تريد أنه صوام بالنهار، قوام بالليل، وقيل: - بكسر كاف وسكون نون - بمعنى: وعاء الراعي الذي يجعل فيه آلته؛ أي: لم يدخل يده مع زوجته في دواخل أمرها.

* "فعذمني": العذم لغة: العض، والمراد هاهنا: الأخذ باللسان، فقوله: "وعضني بلسانه" تفسير له.

*"فعضلتها": أي: حبستها.

ففي "الكشاف": العضل: الحبس، أو منعتها الحق الذي لها عليك.

وفي "المجمع": هو من العضل، وهو المنع؛ أي: لم تعامل معاملة الأزواج لنسائهم، ولم يتركها تتصرف في نفسها.

[ ص: 284 ] * "أتصوم النهار": أي: أتداوم؟ وليس المراد أن تصوم النهار كله، وأما قوله:

* "وتقوم الليل": فالمراد: أتقوم الليل كله؟ فليفهم.

* "أصوم وأفطر": أي: لا أداوم على الصوم.

* "أصلي وأنام": أي: لا أستوعب الليل بالصلاة.

* "وأمس": أي: أجامع.

* "فمن رغب عن سنتي": أي: أعرض عنها، ورأى تركها خيرا منها.

* "فليس مني": من أتباعي.

* "اقرأ": أي: مرة.

* "القرآن": أي: كله، ولا بد من حمل اللفظ على ما ذكرنا بقرينة المقام، وإلا فالأمر لا يدل على المرة، والقرآن يطلق على الكل والبعض.

* "من ذلك": أي: من الذي يقرؤه مرة في كل شهر.

* "في كل ثلاث": أي: كل ثلاث ليال، وقد جاء: "في كل سبع".

* "فإنه أفضل الصيام": ظاهره أنه أفضل من صيام الدهر، وبه قال بعض، ومن لا يرى ذلك يحمله على أنه أفضل في حقك.

* "شرة": - بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء - : الحرص على الشيء، والنشاط له.

* "والفترة": - بفتح فسكون - : ضده؛ أي: العابد يبالغ في عبادته أول الأمر، ويجد في نفسه قوة على ذلك، وشوقا ورغبة فيه، وكل مبالغ مفتر، فلا بد أنه تنكسر همته، وتفتر قوته عن ذلك الحد عادة، فمنهم من يرجع حين الفتور إلى الاعتدال في الأمر، ويترك الإفراط فيه، فهذا مهتد، ومنهم من يرجع حين [ ص: 285 ] الفتور إلى ترك العبادة بالكلية، والاشتغال بضدها، فهذا هالك، والله تعالى أعلم.

* "وكبر": - بكسر الباء - أي: طعن في السن.

* "كذلك": أي: يصوم على قدر الإفطار، لكن لا يقدر؛ لضعفه على أن يصوم يوما ويفطر يوما، فيصوم أياما، ثم يفطر بحساب ما صام.

* "أحب إلي": تمنى ذلك؛ لأنه شق عليه المضي على وظيفته، وشق عليه تركها، فتمنى أن لو قبل التخفيف كان أولى.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية