صفحة جزء
6521 2997 - (6557) - (2 \ 167) عن عبد الله بن عمرو، قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من علم لا ينفع، ودعاء لا يسمع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع ".


* قوله: "من علم لا ينفع": أي: كالعلم بما لا يعني، والعلم الذي لا يعمل به صاحبه.

وبالجملة: فإن من العلم ما لا ينفع صاحبه، بل يصير عليه حجة.

وقال الطيبي: هو العلم الذي لا يهذب أخلاقه الباطنة، فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة، ويفوز بها إلى الثواب الآجل، وأنشد فيه:

[ ص: 334 ]

يا من تقاعد عن مكارم خلقه ليس التفاخر بالعلوم الزاخره     من لم يهذب علمه أخلاقه
لم ينتفع بعلومه في الآخره



* قوله: "لا يسمع": على بناء المفعول؛ أي: لا يستجاب، فكأنه غير مسموع؛ حيث لم يترتب على السماع فائدته المطلوبة منه.

* "لا تشبع": أي: حريصة على الدنيا، لا تشبع منها، وأما الحرص على العلم والخير، فمحمود مطلوب، قال تعالى: وقل رب زدني علما [طه: 114].

ثم المشهور أن هذه استعاذة من نفس العلم غير النافع ونحوه، وعليه بني ما سبق من الكلام في تفسيره.

قال أبو طالب المكي: قد استعاذ صلى الله عليه وسلم من نوع من العلوم، كما استعاذ من الشرك والنفاق ومساوئ الأخلاق، والعلم الذي لم يقرن بالتقوى، فهو باب من الدنيا والهوى، انتهى.

لكن النظر الدقيق يرشد أن ليس المقصود الاستعاذة من العلم ونحوه؛ إذ لا يعقل الاستعاذة من القلب والنفس، وإنما المقصود: الاستعاذة من الصفات المقارنة بها، والمعنى: أعوذ بك من أن تجعل علمي علما لا ينفع، ودعائي دعاء لا يسمع، وقلبي قلبا لا يخشع، ونفسي نفسا لا تشبع.

ثم في استعاذته صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور إظهار للعبودية، وإعظام للرب - تبارك وتعالى - وأن العبد ينبغي له ملازمة الخوف، ودوام الافتقار إلى جنابه تعالى.

وفيه حث للأمة على ذلك، وتعليم لهم، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من هذه الأمور.

وفيه: أن الممنوع من السجع ما يكون عن قصد إليه، وتكلف في تحصيله، [ ص: 335 ] وأما ما اتفق حصوله بسبب قوة السليقة وفصاحة اللسان، فبمعزل عن ذلك، والله تعالى أعلم.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية