صفحة جزء
7127 3350 - (7167) - (2 \ 232) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ".
[ ص: 68 ] *قوله: " كلمتان خفيفتان. . . إلخ ": المراد بالكلمة: اللغوية، أو العرفية،لا النحوية، وخفتهما: سهولتهما على اللسان; لقلة حروفهما، وحسن نظمهما، واشتمالهما على الاسم الجليل الذي ترغب الطباع إلى ذكره، فكأنهما في ذلك كالحمل الخفيف الذي يسهل حمله، وثقلهما في الميزان; لعظمهما قدرا عند الله، ومعنى " حبيبتان إلى الرحمن ": أنهما موصوفتان بكثرة المحبوبية عنده تعالى كما تفيده الأحاديث الأخر، مثل: "أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم "، وإلا فجميع الذكر محبوب عنده تعالى، وفي لفظ: "الرحمن" زيادة ترغيب في هذا الذكر بأنه الذي ترجى رحمته بلا عمل، فكيف إذا أتى بما هو محبوب إليه؟ ثم الظاهر أن قوله: "كلمتان" خبر لقوله: "سبحان الله. . . إلخ " قدم على المبتدأ; لتشويق السامع إليه، وذلك لأن "كلمتان ": نكرة، و"سبحان الله. . . إلخ " معرفة; لأنه أريد به نفسه، واللفظ إن أريد به نفسه، يكون معرفة حقيقة عند من قال: توضع الألفاظ لأنفسها، وحكما عند من نفاه، والمعرفة لا تكون خبرا لنكرة عند غالب النحاة، ومعنى " سبحان الله ": تنزيهه عن كل ما لا يليق بجنابه العلي، وهو مصدر لفعل مقدر; أي: أسبح الله تسبيحا، والواو في "وبحمده" للحال، بتقدير: وأنا ملتبس بحمده، وقيل: للعطف; أي: أنزهه وألتبس، وقيل: زائدة; أي: أسبحه ملتبسا بحمده هذا. وقال الكرماني: "حبيبتان" بمعنى: محبوبتان، والفعيل بمعنى المفعول، سيما إذا ذكر موصوفه، يستوي فيه المذكر والمؤنث، فما وجه التأنيث هاهنا؟ وأجاب بأن التسوية جائزة لا واجبة، أو واجبة في المفرد لا في المستثنى، أو [ ص: 69 ] التأنيث لمناسبة الخفيفة والثقيلة; لأنها فعيل بمعنى: فاعل، أو هذه التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية، وقد يقال: هي فيما لم يقع عليه الفعل بعد، تقول: ذبيحة فلان: للشاة التي لم تذبح، وإذا وقع عليه الفعل، فهي ذبيح، انتهى. قلت: حمل أحد الفعلين على الآخر كثير كما قيل في: قريب، في قوله تعالى: إن رحمت الله قريب [الأعراف: 56 ]، وبغي في قوله تعالى: وما كانت أمك بغيا [مريم: 28 ]، سيما و"حبيب" جاء بمعنى الفاعل والمفعول جميعا، فالحمل فيه غير بعيد. وللمحقق ابن الهمام رسالة اختار فيها أن: "سبحان الله. . . إلخ " هو الخبر; لأنه مؤخر لفظا، والأصل عدم مخالفة اللفظ محله إلا لموجب يوجبه، ولأنه محط الفائدة بنفسه; بخلاف عكسه; فإنه إنما يكون محطها باعتبار وصفه; لظهور أن ليس المقصود الإخبار بأنهما كلمتان بلا ملاحظة خفيفتان ثقيلتان حبيبتان، فصار اعتبار "سبحان " خبرا أولى، وأجاب عن مقدمة تعريف "سبحان الله " إذا أريد به لفظه: بأن أنواع المعارف محصورة، وليس هو منها، ولا يمكن أن يكون علما باعتبار ما قيل: إن الألفاظ موضوعة لأنفسها; إذ لو سلم ذلك، فذلك وضع ليس له حكم، وإلا لكان كل لفظ مشتركا، ولم يقل أحد بذلك، انتهى. قلت: وهذا ليس بشيء; إذ لا شك في أن اللفظ إذا أريد نفسه، تجري عليه أحكام المعارف، من تعريف صفته، ووقوعه مبتدأ، وذا حال، وغير ذلك، فهو معرفة حكما، سواء قلنا: إنه معرفة لفظا، أو لا، وهذا يكفي في امتناع الإخبار به عن النكرة; إذ المدار على الأحكام، لا على الأسماء، وهذا ظاهر، والله تعالى أعلم .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية