صفحة جزء
[ ص: 28 ] 116 - حدثنا بذلك أبو بكرة قال: ثنا مؤمل قال: ثنا سفيان ، عن عبد الملك بن أبي بشير ، عن عبد الله بن المساور أو ابن أبي المساور قال : سمعت ابن عباس يعاتب ابن الزبير في البخل ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره إلى جنبه جائع

فلم يرد بذلك أنه ليس بمؤمن إيمانا خرج بتركه إياه إلى الكفر ، ولكنه أراد به أنه ليس في أعلى مراتب الإيمان ، وأشباه هذا كثيرة ، يطول الكتاب بذكرها .

فكذلك قوله: لا وضوء لمن لم يسم لم يرد بذلك أنه ليس بمتوضئ وضوءا لم يخرج به من الحدث ، ولكنه أراد أنه ليس بمتوضئ وضوءا كاملا في أسباب الوضوء الذي يوجب الثواب .

فلما احتمل هذا الحديث من المعاني ما وصفنا ولم يكن هناك دلالة يقطع بها لأحد التأويلين على الآخر وجب أن يجعل معناه موافقا لمعاني حديث المهاجر ... لا يتضادا .

فثبت بذلك أن الوضوء بلا تسمية يخرج به المتوضئ من الحدث إلى الطهارة .

وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا رأينا أشياء لا يدخل فيها إلا بكلام .

منها العقود التي يعقدها بعض الناس لبعض من البياعات والإجارات والمناكحات والخلع وما أشبه ذلك .

فكانت تلك الأشياء لا تجب إلا بأقوال وكانت الأقوال منها إيجاب ؛ لأنه يقول ( قد بعتك ، قد زوجتك ، قد خلعتك ) .

فتلك أقوال فيها ذكر العقود .

وأشياء تدخل فيها بأقوال وهي الصلاة والحج ، فتدخل في الصلاة بالتكبير ، وفي الحج بالتلبية .

فكان التكبير في الصلاة والتلبية في الحج ركنا من أركانها .

ثم رجعنا إلى التسمية في الوضوء ، هل تشبه شيئا من ذلك ؟ فرأيناها غير مذكور فيها إيجاب شيء كما كان في النكاح والبيوع .

فخرجت التسمية لذلك من حكم ما وضعنا ، ولم تكن التسمية أيضا ركنا من أركان الوضوء كما كان التكبير ركنا من أركان الصلاة ، وكما كانت التلبية ركنا من أركان الحج ، فخرج أيضا بذلك حكمها من حكم التكبير ، والتلبية .

فبطل بذلك قول من قال : إنه لا بد منها في الوضوء كما لا بد من تلك الأشياء فيما يعمل فيه .

فإن قال قائل : فإنا قد رأينا الذبيحة لا بد من التسمية عندها ، ومن ترك ذلك متعمدا لم تؤكل ذبيحته ، فالتسمية أيضا على الوضوء كذلك .

قيل له : ما ثبت في حكم النظر أن من ترك التسمية على الذبيحة متعمدا أنها لا تؤكل ، لقد تنازع الناس في ذلك .

فقال بعضهم : تؤكل ، وقال بعضهم : لا تؤكل . فأما من قال تؤكل فقد كفينا البيان لقوله .

وأما من قال لا تؤكل ، فإنه يقول : إن تركها ناسيا تؤكل ، وسواء عنده كان الذابح مسلما أو كافرا ، بعد أن يكون كتابيا .

فجعلت التسمية هاهنا في قول من أوجبها في الذبيحة ، إنما هي لبيان الملة .

[ ص: 29 ] فإذا سمى الذابح صارت ذبيحته من ذبائح الملة المأكولة ذبيحتها ، وإذا لم يسم جعلت من ذبائح الملل التي لا تؤكل ذبائحها .

والتسمية على الوضوء ليس للملة إنما هي مجعولة لذكر على سبب من أسباب الصلاة فرأينا من أسباب الصلاة الوضوء وستر العورة ، فكان من ستر عورته لا بتسمية ، لم يضره ذلك .

فالنظر على ذلك ، أن يكون من تطهر أيضا ، لا بتسمية ، لم يضره ذلك . وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن رحمهم الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية