صفحة جزء
[ ص: 31 ] 133 - حدثنا حسين بن نصر قال : سمعت يزيد بن هارون قال : أنا ابن عون ، عن عامر ، عن ابن المغيرة بن شعبة ، عن أبيه وابن عون ، عن ابن سيرين ، عن عمرو بن وهب ، عن المغيرة رفعه إليه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فتوضأ للصلاة ، فمسح على عمامته وقد ذكر الناصية بشيء .

ففي هذا الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على بعض الرأس وهو الناصية ، وظهور الناصية دليل أن بقية الرأس حكمه حكم ما ظهر منه ؛ لأنه لو كان الحكم قد ثبت بالمسح على العمامة لكان كالمسح على الخفين ، فلم يكن إلا وقد غيبت الرجلان فيهما ولو كان بعض الرجلين باديا ، لما أجزأه أن يغسل ما ظهر منهما ويمسح على ما غاب منهما ، فجعل حكم ما غاب منهما مضمنا بحكم ما بدأ منهما فلما وجب غسل الظاهر وجب غسل الباطن .

فكذلك الرأس لما وجب مسح ما ظهر منه ، ثبت أنه لا يجوز مسح ما بطن منه ليكون حكم كله حكما واحدا كما كان حكم الرجلين إذا غيبت بعضها في الخفين حكما واحدا .

فلما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأثر بمسح الناصية على مسح ما بقي من الرأس دل ذلك أن الفرض في مسح الرأس هو مقدار الناصية ، وأن ما فعله فيما جاوز به الناصية فيما سوى ذلك من الآثار كان دليلا على الفضل لا على الوجوب حتى تستوي هذه الآثار ولا تتضاد ، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار .

وأما من طريق النظر ، فإنا رأينا الوضوء يجب في أعضاء . فمنها ما حكمه أن يغسل ، ومنها ما حكمه أن يمسح .

فأما ما حكمه أن يغسل فالوجه واليدان والرجلان في قول من يوجب غسلهما .

فكل قد أجمع أن ما وجب غسله من ذلك فلا بد من غسله كله ولا يجزئ غسل بعضه دون بعض وكلما كان ما وجب مسحه من ذلك ، وهو الرأس .

فقال قوم : حكمه أن يمسح كله كما تغسل تلك الأعضاء كلها ، وقال آخرون : يمسح بعضه دون بعضه .

فنظرنا في حكم المسح كيف هو ؟ فرأينا حكم المسح على الخفين قد اختلف فيه .

فقال قوم : يمسح ظاهرهما دون باطنهما ، وقال آخرون : يمسح ظاهرهما وباطنهما .

فكل قد اتفق أن فرض المسح في ذلك هو على بعضهما دون مسح كلهما .

فالنظر على ذلك أن يكون كذلك حكم مسح الرأس ، هو على بعضه دون بعض ، قياسا ونظرا ، على ما بينا من ذلك .

وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن رحمهم الله ؛ وقد روي في ذلك عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ما يوافق ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية