صفحة جزء
1578 - وخالفه في ذلك أيضا عبد الله بن الزبير فروي عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما قد حدثنا محمد بن حميد أبو قرة قال : ثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أنا ابن لهيعة ، قال حدثني الحارث بن يزيد ، أن أبا أسلم المؤذن حدثه أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول : إن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتشهد به : باسم الله وبالله خير الأسماء ، التحيات الطيبات ، الصلوات لله ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، اللهم اغفر لي واهدني .

فكل هؤلاء قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ما ذكرنا عنهم وخالف ما روي عن عمر رضي الله عنه ، فقد تواترت بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم الروايات ، فلم يخالفها شيء ، فلا ينبغي خلافها ولا الأخذ بغيرها ولا الزيادة على شيء مما فيها إلا أن في حديث ابن عباس رضي الله عنهما حرفا يزيد على غيره وهو : المباركات .

فقال قائلون : هو أولى من حديث غيره ، إذا كان قد زاد عليه ، والزائد أولى من الناقص .

وقال آخرون : بل حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأبي موسى وابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه عنه مجاهد وابن بابي أولى لاستقامة طرقهم واتفاقهم على ذلك ، لأن أبا الزبير لا يكافئ الأعمش ، ولا منصورا ، ولا مغيرة ولا أشباههم ممن روى حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، ولا يكافئ قتادة في حديث أبي موسى ولا يكافئ أبا بشر في حديث ابن عمر ، ولو وجب الأخذ بما زاد ، وإن كان دونهم لوجب الأخذ بما زاد عن ابن نابل على الليث عن أبي الزبير ، فإنه قد قال في التشهد أيضا : باسم الله ، ولوجب الأخذ بما زاد أبو أسلم عن عبد الله بن الزبير فإنه قد قال في التشهد أيضا : باسم الله ، وزاد أيضا على ما في ذلك من الزيادة على حديث ابن مسعود رضي الله عنهما .

فلما كانت هذه الزيادة غير مقبولة ؛ لأنه لم يزدها على الليث مثله ، لم يقبل زيادة ابن أبي الزبير في حديث ابن عباس رضي الله عنهما على عطاء بن أبي رباح ؛ لأن ابن جريج رواه عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، موقوفا .

ورواه أبو الزبير عن سعيد بن جبير ، وطاوس عن ابن عباس رضي الله عنهم مرفوعا ، ولو ثبتت هذه الأحاديث كلها وتكافأت في أسانيدها لكان حديث عبد الله أولاها ، لأنهم قد أجمعوا أنه ليس للرجل أن يتشهد بما شاء من التشهد غير ما روي من ذلك .

[ ص: 266 ] فلما ثبت أن التشهد بخاص من الذكر ، وكان ما رواه عبد الله قد وافقه عليه كل من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره . وزاد عليه غيره ما ليس في تشهده ، كان ما قد أجمع عليه من ذلك أولى أن يتشهد به دون الذي اختلف فيه .

وحجة أخرى أنا قد رأينا عبد الله شدد في ذلك ، حتى أخذ على أصحابه الواو فيه ، كي يوافقوا لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نعلم غيره فعل ذلك ، فلهذا استحسنا ما روي عن عبد الله دون ما روي عن غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية