صفحة جزء
2129 - حدثنا صالح ، قال : ثنا سعيد ، قال : ثنا هشيم ، عن رجل ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما مثله ، فكانت هذه السجدة التي في حم مما قد اتفق عليه ، واختلف في موضعها .

وما ذكرنا قبل هذا من السجود في السور الأخر ، فقد اتفقوا عليها وعلى مواضعها التي ذكرناها ، وكان موضع كل سجدة منها ، فهو موضع إخبار ، وليس بموضع أمر .

وقد رأينا السجود مذكورا في مواضع أمر ، منها قوله تعالى : يا مريم اقنتي لربك واسجدي ، ومنها قوله : وكن من الساجدين ، فكل قد اتفق أن لا سجود في شيء من ذلك .

فالنظر على ذلك ، أن يكون كل موضع مما اختلف فيه ، هل فيه سجود أم لا ؟ أن ننظر فيه ، فإن كان موضع أمر ، فإنما هو تعليم ، فلا سجود فيه .

وكل موضع فيه خبر عن السجود فهو موضع سجود التلاوة ، فكان الموضع الذي اختلف فيه من سورة ( النجم ) .

فقال قوم : هو موضع سجود التلاوة ، وقال آخرون : هو ليس موضع سجدة تلاوة ، وهو قوله : فاسجدوا لله واعبدوا فذلك أمر وليس بخبر .

فكان النظر - على ما ذكرنا - أن لا يكون موضع سجود التلاوة ، وكان الموضع الذي اختلف فيه أيضا من : اقرأ باسم ربك هو قوله : كلا لا تطعه واسجد واقترب فذلك أمر وليس بخبر .

فالنظر - على ما ذكرنا - أن لا يكون موضع سجود تلاوة .

وكان الموضع الذي اختلف فيه من إذا السماء انشقت هو موضع سجود ، أو لا هو قوله : فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون فذلك موضع إخبار لا موضع أمر .

[ ص: 361 ] فالنظر - على ما ذكرنا - أن يكون موضع سجود التلاوة ، ويكون كل شيء من السجود يرد إلى ما ذكرنا . فما كان منه أمرا رد إلى شكله مما ذكرنا ، فلم يكن فيه سجود ، وما كان منه خبرا رد إلى شكله من الأخبار ، فكان فيه سجود .

فهذا هو النظر في هذا الباب .

فكان يجيء على ذلك أن يكون موضع السجود من " حم " هو الموضع الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنه ؛ لأنه - عنده - خبر ، هو قوله : فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون لا كما ذهب إليه من خالفه ، لأن أولئك جعلوا السجدة عند أمر ، وهو قوله : واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون فكان ذلك موضع أمر ، وكان الموضع الآخر موضع خبر ، وقد ذكرنا أن النظر يوجب أن يكون السجود في مواضع الخبر ، لا في مواضع الأمر .

فكان يجيء على ذلك أن لا يكون في سورة ( الحج ) غير سجدة واحدة ، لأن الثانية المختلف فيها إنما موضعها في قول من يجعلها سجدة موضع أمر وهو قوله : اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم الآية .

وقد بينا أن مواضع سجود التلاوة هي مواضع الأخبار ، لا مواضع الأمر .

فلو خلينا والنظر ، لكان القول في سجود التلاوة أن ننظر ، فما كان منه موضع أمر لم نجعل فيه سجودا ، وما كان منه موضع خبر جعلنا فيه سجودا ، ولكن اتباع ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية