صفحة جزء
2485 - وأما ما روي عن عائشة رضي الله عنها في ذلك ، فإن أبا بكرة حدثنا ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا ابن جريج ، قال : أنا ابن شهاب ، قال : قلت لعروة : ما كان يحمل عائشة رضي الله عنها على أن تصلي في السفر أربعا ؟ فقال : تأولت ما تأول عثمان في إتمام الصلاة بـ" منى " .

وقد ذكرنا ما تأول في إتمام عثمان رضي الله عنه الصلاة بـ" منى " فكان ما صح من ذلك هو أنه كان من أجل نيته للإقامة . فإن كان من أجل ذلك كانت عائشة رضي الله عنها تتم الصلاة ، فإنه يجوز أن يكون كانت لا يحضرها صلاة إلا نوت إقامة في ذلك المكان ، يجب عليها بها إتمام الصلاة ، فتتم الصلاة لذلك .

فيكون إتمامها وهي في حكم المقيمين ، لا في حكم المسافرين .

وقد قال قوم : كان ذلك منها ، لمعنى غير هذا ، وهو أني سمعت أبا بكرة يقول : قال أبو عمر كانت عائشة [ ص: 428 ] رضي الله عنها أم المؤمنين فكانت تقول : كل موضع أنزله فهو منزل بعض بني ، فتعد ذلك منزلا لها ، وتتم الصلاة من أجله .

وهذا - عندي - فاسد ؛ لأن عائشة وإن كانت هي أم المؤمنين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين ، وهو أولى بهم من عائشة .

فقد كان ينزل في منازلهم ، فلا يخرج بذلك من حكم السفر الذي يقصر فيه الصلاة إلى حكم الإقامة التي تكمل فيها الصلاة .

وقد قال قوم : كان مذهب عائشة في قصر الصلاة أنه يكون لمن حمل الزاد والمزاد ، على ما روينا عن عثمان رضي الله عنه ، وكانت تسافر بعد النبي صلى الله عليه وسلم في كفاية من ذلك ، فتركت لهذا المعنى قصر الصلاة .

فلما تكافأت هذه التأويلات في فعل عثمان وعائشة رضي الله عنهما ، لزمنا أن ننظر حكم قصر الصلاة ، ما يوجبه .

فكان الأصل في ذلك أنا رأينا الرجل إذا كان مقيما في أهله ، فحكمه في الصلاة حكم الإقامة ، وسواء كان في إقامته طاعة أو معصية ، لا يتغير بشيء من ذلك حكمه ، فكان حكمه تمام الصلاة يجب عليه بالإقامة خاصة ، لا بطاعة ، ولا بمعصية ، ثم إذا سافر خرج بذلك من حكم الإقامة .

فقد جرى في هذا من الاختلاف ، ما قد ذكرنا . فقال قوم : لا يجب له حكم التقصير إلا أن يكون ذلك السفر سفر طاعة .

وقال آخرون : يجب له حكم التقصير في الوجهين جميعا .

فلما كان حكم الإتمام يجب له في الإقامة بالإقامة خاصة ، لا بطاعة ولا بغيرها ، كان كذلك يجيء في النظر أن يكون حكم التقصير يجب له في السفر بالسفر خاصة ، لا بطاعة ولا غيرها ، قياسا ونظرا على ما بينا وشرحنا .

ولما ثبت أن التقصير إنما يجب له بحكم السفر خاصة لا بغيره ، ثبت أنه يقصر ما كان مسافرا في الأمصار وفي غيرها لأن العلة التي لها تقصر في السفر الذي لم يخرج منه بدخوله الأمصار .

وجميع ما بينا في هذا الباب وصححنا هو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية