صفحة جزء
2986 - حدثنا أحمد بن عبد المؤمن الخراساني ، قال : ثنا علي بن الحسن بن شقيق ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، قال : ثنا عبد الله بن بريدة ، قال : سمعت أبي يقول : جاء سلمان الفارسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا يا سلمان ؟ قال : صدقة عليك ، وعلى أصحابك .

قال : ارفعها ؛ فإنا لا نأكل الصدقة ، فرفعها .

فجاءه من الغد بمثله ، فوضعه بين يديه ، فقال : ما هذا يا سلمان ؟ قال : هدية .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : انبسطوا
.

قال أبو جعفر : فهذه الآثار كلها ، قد جاءت بتحريم الصدقة على بني هاشم ، ولا نعلم شيئا نسخها ولا عارضها إلا ما قد ذكرناه في هذا الباب ، مما ليس فيه دليل على مخالفتها .

فإن قال قائل : تلك الصدقة ، إنما هي الزكاة خاصة ، فأما ما سوى ذلك من سائر الصدقات فلا بأس به .

قيل له : في هذه الآثار ما قد دفع ما ذهبت إليه ، وذلك ما في حديث بهز بن حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بالشيء سأل : أهدية أم صدقة ؟ فإن قالوا : صدقة ، قال لأصحابه : كلوا ، واستغنى بقول المسئول : ( إنه صدقة ) عن أن يسأله صدقة من زكاة ، أم غير ذلك ؟

فدل ذلك على أن حكم سائر الصدقات في ذلك سواء .

[ ص: 11 ] وفي حديث سلمان رضي الله عنه ، فقال : فجئت فقال : أهدية أم صدقة ؟ فقلت : بل صدقة ؛ لأنه بلغني أنكم قوم فقراء ، فامتنع من أكلها لذلك ، وإنما كان سلمان رضي الله عنه يومئذ عبدا ، ممن لا يجب عليه زكاة .

فدل ذلك على أن كل الصدقات من التطوع وغيره قد كان محرما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى سائر بني هاشم .

والنظر أيضا يدل على استواء حكم الفرائض والتطوع في ذلك ، وذلك أنا رأينا غير بني هاشم من الأغنياء والفقراء - في الصدقات المفروضات والتطوع - سواء من حرم عليه أخذ صدقة مفروضة ، حرم عليه أخذ صدقة غير مفروضة .

فلما حرم على بني هاشم أخذ الصدقات المفروضات ، حرم عليهم أخذ الصدقات غير المفروضات .

فهذا هو النظر في هذا الباب ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

وقد اختلف عن أبي حنيفة رحمه الله في ذلك ، فروي عنه أنه قال : لا بأس بالصدقات كلها على بني هاشم .

وذهب في ذلك - عندنا - إلى أن الصدقات إنما كانت حرمت عليهم من أجل ما جعل لهم في الخمس ، من سهم ذوي القربى .

فلما انقطع ذلك عنهم ورجع إلى غيرهم ، بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم - حل لهم بذلك ما قد كان محرما عليهم من أجل ما قد كان أحل لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية