صفحة جزء
3489 - حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال : ثنا محمد بن إدريس الشافعي ، قال : ثنا سفيان ، عن طلحة بن يحيى بن طلحة ، عن عمته عائشة بنت طلحة ، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، إنا قد خبأنا لك حيسا ، فقال : أما إني كنت أريد الصوم ، ولكن قربيه سأصوم يوما مكان ذلك .

قال محمد - هو ابن إدريس - : سمعت سفيان عامة مجالستي إياه لا يذكر فيه : سأصوم يوما مكان ذلك ، ثم إني عرضت عليه الحديث قبل أن يموت بسنة ، فأجاز فيه : سأصوم يوما مكان ذلك .

[ ص: 110 ] ففي هذا الحديث ذكر وجوب القضاء ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها ما قد وافق ذلك ، وليس في حديث أم هانئ ما يخالف ما قد ذكرنا ، فأقل أحوال حديث عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها أن يكون موقوفا على من هو دونهما ، وقد وافقه حديث متصل ، وهو حديث عائشة بنت طلحة ، فالقول بذلك من جهة الحديث أولى من القول بخلافه ، وأما النظر في ذلك فإنا قد رأينا أشياء تجب على العباد بإيجابهم إياها على أنفسهم ؛ منها الصلاة والصدقة والصيام والحج والعمرة ، فكان من أوجب شيئا من ذلك على نفسه ، فقال : ( لله علي كذا وكذا ) وجب عليه الوفاء بذلك .

ورأينا أشياء يدخل فيها العباد فيوجبونها على أنفسهم بدخولهم فيها ، منها الصلاة والصيام والحج ، وما ذكرنا .

فكان من دخل في حجة أو عمرة ، ثم أراد إبطالها والخروج منها لم يكن له ذلك ، وكان بدخوله فيها في حكم من قال : ( لله علي حجة ) ، فعليه الوفاء بها .

فإن قال قائل : إنما منعناه من الخروج منهما ؛ لأنه لا يمكنه الخروج منها إلا بتمامها ، وليست الصلاة والصيام كذلك ؛ لأنهما قد يبطلان ويخرج منهما بالكلام والطعام والشراب والجماع ، قيل له : إن الحجة والعمرة وإن كانا كما ذكرت ، فإنا قد رأيناك تزعم أن من جامع فيهما فعليه قضاؤهما ، والقضاء يدخل فيه بعد خروجه منهما ، فقد جعلت عليه الدخول في قضائهما إن شاء أو أبى من أجل إفساده لهما .

فهذا الذي يقضيه بدل منه مما كان وجب عليه بدخوله فيه لا بإيجاب كان منه قبل ذلك ، فلو كانت العلة في لزوم الحجة والعمرة إياه حين أحرم بهما وبطلان الخروج منهما هي ما ذكرت من عدم رفضهما ، ولولا ذلك كان له الخروج منهما ، كما كان له الخروج من الصلاة والصيام بما ذكرنا من الأشياء التي تخرج منهما ، إذا لما وجب عليه قضاؤهما ؛ لأنه غير قادر على أن لا يدخل فيه .

فلما كان ذلك غير مبطل عنه وجوب القضاء ، وكان في ذلك كمن عليه قضاء حجة قد أوجبها لله عز وجل على نفسه بلسانه ، كان كذلك أيضا في النظر من دخل في صلاة أو صيام ، فأوجب ذلك لله عز وجل على نفسه بدخوله فيه ، ثم خرج منه فعليه قضاؤه ، ويقال له أيضا : وقد رأينا العمرة مما قد يجوز رفضها بعد الدخول فيها في قولنا وقولك ، وبذلك جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لعائشة رضي الله عنها : " دعي عنك العمرة وأهلي بالحج " . وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى .

فلم يكن للداخل في العمرة إذا كان قادرا على رفضها والخروج منها أن يخرج منها فيبطلها ، ثم لا يجب عليه قضاؤها .

[ ص: 111 ] وكان من دخل فيها بغير إيجاب منه لها قبل ذلك ، ليس له الخروج منها قبل تمامها إلا من عذر ، فإن خرج منها فأبطلها بعذر أو بغير عذر فعليه قضاؤها .

فالصلاة والصوم أيضا في النظر كذلك ليس لمن دخل فيهما الخروج منهما ، وإبطالهما إلا من عذر ، وإن خرج منهما قبل إتمامه إياهما بعذر أو بغير عذر فعليه قضاؤهما .

فهذا هو النظر في هذا الباب ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله .

وقد روي مثل ذلك أيضا ، عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية