صفحة جزء
347 - حدثنا أحمد قال : ثنا مسدد قال : ثنا حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن زر ، عن علي رضي الله عنه ، مثله .

قال أبو جعفر : فقد ثبت بهذه الآثار التي رويناها صحة قول من ذهب إلى وجوب الغسل بالتقاء الختانين .

فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار .

وأما وجهه من طريق النظر ، فإنا رأيناهم لم يختلفوا أن الجماع في الفرج الذي لا إنزال معه - حدث .

فقال قوم : هو أغلظ الأحداث ، فأوجبوا فيه أغلظ الطهارات ، وهو الغسل .

وقال قوم : هو كأخف الأحداث ، فأوجبوا فيه أخف الطهارات ، وهو الوضوء .

[ ص: 61 ] فأردنا أن ننظر إلى التقاء الختانين : هل هو أغلظ الأشياء فنوجب فيه أغلظ ما يجب في ذلك ؟

فوجدنا أشياء يوجبها الجماع ، وهو فساد الصيام والحج ، فكان ذلك بالتقاء الختانين وإن لم يكن معه إنزال ، ويوجب ذلك في الحج ، الدم ، وقضاء الحج ، ويوجب في الصيام ، القضاء والكفارة ، في قول من يوجبها .

ولو كان جامع فيما دون الفرج ، وجب عليه في الحج دم فقط ، ولم يجب عليه في الصيام شيء إلا أن ينزل ، وكل ذلك محرم عليه في حجه وصيامه ، وكان من زنى بامرأة حد ، وإن لم ينزل ، ولو فعل ذلك على وجه شبهة ، فسقط بها الحد عنه ، وجب عليه المهر .

وكان لو جامعها فيما دون الفرج ، لم يجب عليه في ذلك حد ولا مهر ، ولكنه يعزر إذا لم تكن هناك شبهة . وكان الرجل إذا تزوج المرأة فجامعها جماعا لا خلوة معه في الفرج ثم طلقها ، كان عليه المهر أنزل أو لم ينزل ، ووجبت عليها العدة وأحلها ذلك لزوجها الأول .

ولو جامعها فيما دون الفرج لم يجب في ذلك عليه شيء ، وكان عليه في الطلاق نصف المهر ، إن كان سمى لها مهرا ، أو المتعة إذا لم يكن سمى لها مهرا .

فكان يجب في هذه الأشياء التي وصفنا ، التي لا إنزال معها أغلظ ما يجب في الجماع الذي معه الإنزال ، من الحدود والمهور ، وغير ذلك .

فالنظر على ذلك ، أن يكون كذلك ، هو في حكم الأحداث ، أغلظ الأحداث ، ويجب فيه أغلظ ما يجب في الأحداث ، وهو الغسل .

وحجة أخرى في ذلك ، أنا رأينا هذه الأشياء التي وجبت بالتقاء الختانين ، فإذا كان بعدها الإنزال لم يجب بالإنزال حكم ثان ، وإنما الحكم لالتقاء الختانين .

ألا ترى أن رجلا لو جامع امرأة جماع زناء ، فالتقى ختاناهما ، وجب الحد عليهما بذلك ، ولو أقام عليها حتى أنزل لم يجب بذلك عليه عقوبة غير الحد الذي وجب عليه بالتقاء الختانين ، ولو كان ذلك الجماع على وجه شبهة ، فوجب عليه المهر بالتقاء الختانين ، ثم أقام عليها حتى أنزل ، لم يجب عليه في ذلك الإنزال شيء ، بعد ما وجب بالتقاء الختانين وكان ما يحكم به في هذه الأشياء على من جامع فأنزل ، هو ما يحكم به عليه إذا جامع ولم ينزل ، وكان الحكم في ذلك هو لالتقاء الختانين لا للإنزال الذي يكون بعده .

فالنظر على ذلك ، أن يكون الغسل الذي يجب على من جامع وأنزل ، هو بالتقاء الختانين لا بالإنزال الذي يكون بعده .

فثبت بذلك قول الذين قالوا : إن الجماع يوجب الغسل ، كان معه إنزال أو لم يكن .

وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وعامة العلماء رحمهم الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية