صفحة جزء
4038 - حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا مؤمل . ( ح ) .

4039 - وحدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : إذا رميتم الجمرة ، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء .

فقال له رجل : والطيب .

فقال : أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك ، أفطيب هو
؟

ففي هذا الحديث من قول ابن عباس رضي الله عنهما ما قد ذكرنا من إباحة كل شيء إلا النساء ، إذ رميت الجمرة ، ولا يذكر في ذلك الحلق .

وفيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك ، ولم يخبر بالوقت الذي فعل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك .

وقد يجوز أن يكون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحلق ، ويجوز أن يكون بعده ، إلا أن أولى الأشياء بنا أن نحمل ذلك على ما يوافق ما قد ذكرناه ، عن عائشة رضي الله عنها لا على ما يخالف ذلك .

فيكون ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله من ذلك كان بعد رميه الجمرة وحلقه ، على ما في حديث عائشة رضي الله عنها .

ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعد برأيه إذا رمى فقد حل له برميه أن يحلق ، حل له أن يلبس ويتطيب .

[ ص: 230 ] وهذا موضع يحتمل النظر ، وذلك أن الإحرام يمنع من حلق الرأس واللباس والطيب ، فيحتمل أن يكون حلق الرأس إذا حل حلت هذه الأشياء ، واحتمل أن لا تحل حتى يكون الحلق .

فاعتبرنا ذلك ، فرأينا المعتمر ، يحرم عليه بإحرامه في عمرته ، ما يحرم عليه بإحرامه في حجته .

ثم إذا رأيناه إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، فقد حل له أن يحلق ولا يحل له النساء ، ولا الطيب ، ولا اللبائس حتى يحلق .

فلما كانت حرمة العمرة قائمة حل له أن يحلق ، ولا يكون إذا حل له أن يحلق في حكم من حل له ما سوى ذلك من اللباس والطيب ، كان كذلك في الحجة ، لا يحب لما حل له الحلق فيها أن يحل له شيء مما سواه ، مما كان حرم عليه بها حتى يحلق ، قياسا ونظرا على ما أجمعوا عليه في العمرة .

ثم رجعنا إلى النظر بين هذين الفريقين جميعا وبين أهل المقالة الأولى الذين ذهبوا إلى حديث عكاشة .

فرأينا الرجل قبل أن يحرم يحل له النساء ، والطيب ، واللباس ، والصيد ، والحلق ، وسائر الأشياء التي تحرم عليه بالإحرام ، فإذا أحرم ، حرم عليه ذلك كله بسبب واحد ، وهو الإحرام .

فاحتمل أن يكون كما حرمت عليه بسبب واحد أن يحل منها أيضا بسبب واحد ، واحتمل أن يحل منها بأشياء مختلفة ، إحلالا بعد إحلال .

فاعتبرنا ذلك ، فرأيناهم قد أجمعوا أنه إذا رمى ، فقد حل له الحلق ، هذا مما لا اختلاف فيه بين المسلمين ، وأجمعوا أن الجماع حرام عليه على حالته الأولى ، فثبت أنه حل مما قد كان حرم عليه بسبب واحد بأسباب مختلفة .

فبطل بهذه العلة التي ذكرنا .

فلما ثبت أن الحلق يحل له إذا رمى ، وأنه مباح له بعد حلق رأسه أن يحلق ما شاء من شعر بدنه ، ويقص أظفاره ، أردنا أن ننظر : هل حكم اللباس حكم ذلك ، أو حكمه حكم الجماع ، فلا يحل حتى يحل الجماع ؟ فاعتبرنا ذلك ، فرأينا المحرم بالحج إذا جامع قبل أن يقف بعرفة ، فسد حجه ، ورأيناه إذا حلق شعره أو قص أظفاره ، وجبت عليه في ذلك فدية ، ولم يفسد بذلك حجه .

ورأينا لو لبس ثيابا قبل وقوفه بعرفة ، لم يفسد عليه بذلك إحرامه ، ووجبت عليه في ذلك فدية .

فكان حكم اللباس قبل عرفة مثل حكم قص الشعر والأظفار ، لا مثل حكم الجماع .

فالنظر على ذلك أن يكون حكمه أيضا بعد الرمي والحلق كحكمها ، لا كحكم الجماع . فهذا هو النظر في ذلك .

[ ص: 231 ] فإن قال قائل : فقد رأينا القبلة حراما على المحرم ، بعد أن يحلق ، وهي قبل الوقوف بعرفة ، في حكم اللباس ، لا في حكم الجماع ، فلم لا كان اللباس بعد الحلق أيضا كهي ؟ قيل له : إن اللباس بالحلق أشبه منه بالقبلة ؛ لأن القبلة هي بعض أسباب الجماع ، وحكمها حكمه ، تحل حيث يحل ، وتحرم حيث يحرم ، في النظر في الأشياء كلها .

والحلق واللباس ليسا من أسباب الجماع ، إنما هما من أسباب إصلاح البدن ، فحكم كل واحد منهما بحكم صاحبه أشبه من حكمه بالقبلة .

فقد ثبت بما ذكرنا أنه لا بأس باللباس بعد الرمي والحلق .

وقد قال ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية