صفحة جزء
4082 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : ثنا الخصيب ، قال : ثنا وهيب ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

فهذا ابن عباس يوجب على من قدم شيئا من نسكه أو أخره دما ، وهو أحد من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر من أمر الحج إلا قال : " لا حرج " .

فلم يكن معنى ذلك عنده معنى الإباحة في تقديم ما قدموا ، ولا في تأخير ما أخروا مما ذكرنا ، إذ كان يوجب في ذلك دما .

ولكن كان معنى ذلك عنده ، على أن الذي فعلوه في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان على الجهل منهم بالحكم فيه ، كيف هو ؟

فعذرهم بجهلهم ، وأمرهم في المستأنف أن يتعلموا مناسكهم .

وتكلم الناس بعد هذا في القارن إذا حلق قبل أن يذبح .

فقال أبو حنيفة رحمه الله : ( عليه دم ) وقال : زفر رضي الله عنه : ( عليه دمان ) .

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : ( لا شيء عليه ) ، واحتجا في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذين سألوه عن ذلك على ما قد روينا في الآثار المتقدمة ، وبجوابه لهم أن لا حرج عليهم في ذلك .

[ ص: 239 ] وكان من الحجة عليهما في ذلك لأبي حنيفة وزفر رحمهما الله ، ما ذكرنا من شرح معاني هذه الآثار .

وحجة أخرى ، وهي أن السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم ، هل كان قارنا أو مفردا أو متمتعا .

فإن كان مفردا فأبو حنيفة رحمه الله وزفر ، لا ينكران أن يكون لا يجب عليه في ذلك دم ؛ لأن ذلك الذبح الذي قدم عليه الحلق ذبح غير واجب ، ولكن كان أفضل له أن يقدم الذبح قبل الحلق ، ولكنه إذا قدم الحلق أجزأه ، ولا شيء عليه .

وإن كان قارنا ، أو متمتعا ، فكان جواب للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على ما ذكرنا .

فقد ذكرنا عن ابن عباس في التقديم في الحج والتأخير ، أن فيه دما ، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا حرج " لا يدفع ذلك .

فلما كان قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : " لا حرج " لا ينفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجوب الدم ، كان كذلك أيضا لا ينفيه ، عند أبي حنيفة وزفر ، رحمهما الله ، وكان القارن ذبحه ذبح واجب عليه ، يحل به .

فأردنا أن ننظر في الأشياء التي يحل بها الحاج إذا أخرها حتى يحل ، كيف حكمها ؟

فوجدنا الله عز وجل قد قال : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، فكان المحصر يحلق بعد بلوغ الهدي محله ، فيحل بذلك ، وإن حلق قبل بلوغه محله ، وجب عليه دم ، وهذا إجماع .

فكان النظر على ذلك أن يكون كذلك ، القارن إذا قدم الحلق قبل الذبح ، الذي يحل به أن يكون عليه دم ، قياسا ونظرا على ما ذكرنا من ذلك .

فبطل بهذا ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد ، رحمهما الله ، وثبت ما قال أبو حنيفة رحمه الله ، أو ما قال زفر رحمه الله .

فنظرنا في ذلك ، فإذا هذا القارن قد حلق رأسه في وقت ، الحلق عليه حرام ، وهو في حرمة حجة ، وفي حرمة عمرة .

وكان القارن ما أصاب في قرانه ، مما لو أصابه وهو في حجة مفردة ، أو عمرة مفردة ، وجب عليه دم ، فإذا أصابه وهو قارن ، وجب عليه دمان ، فاحتمل أن يكون حلقه أيضا قبل وقته ، يوجب عليه أيضا دمين ، كما قال زفر .

فنظرنا في ذلك ، فوجدنا الأشياء التي توجب على القارن دمين ، فيما أصاب في قرانه هي الأشياء التي لو أصابها وهو في حرمة حجة ، أو في حرمة عمرة وجب عليه دم .

فإذا أصابها في حرمتهما وجب عليه دمان ، كالجماع ، وما أشبهه ، وكان حلقه قبل أن يذبح ، لم يحرم عليه بسبب العمرة خاصة ، ولا بسبب الحج خاصة ، إنما وجب عليه بسببهما ، وبحرمة الجمع بينهما ، لا بحرمة الحجة خاصة ، ولا بحرمة العمرة خاصة .

فأردنا أن ننظر في حكم ما يجب بالجمع ، هل هو شيئان أو شيء واحد ؟ فنظرنا في ذلك ، فوجدنا الرجل إذا أحرم بحجة مفردة ، أو بعمرة مفردة ، لم يجب عليه شيء ، وإذا [ ص: 240 ] جمعهما جميعا ، وجب عليه لجمعه بينهما شيء لم يكن يجب عليه في إفراده كل واحدة منهما ، فكان ذلك الشيء دما واحدا .

فالنظر على ذلك ، أن يكون كذلك الحلق ، قبل الذبح الذي منع منه الجمع بين العمرة والحج ، فلا يمنع منه واحدة منهما ، لو كانت مفردة أن يكون الذي يجب به فيه دم واحد .

فيكون أصل ما يجب على القارن في انتهاكه الحرم في قرانه ، أن ننظر فيما كان من تلك الحرم ، تحرم بالحجة خاصة ، وبالعمرة خاصة .

فإذا جمعتا جميعا ، فتلك الحرمة محرمة لشيئين مختلفين ، فيكون على من انتهكها كفارتان .

وكل حرمة لا تحرمها الحجة على الانفراد ، ولا العمرة على الانفراد ، إنما يحرمها الجمع بينهما ، فإذا انتهكت ، فعلى الذي انتهكها دم واحد ؛ لأنه انتهك حرمة حرمت عليه بسبب واحد .

فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة ، وبه نأخذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية