صفحة جزء
3 - باب الأقراء

قال أبو جعفر : اختلف الناس في الأقراء التي تجب على المرأة إذا طلقت .

فقال قوم : هي الحيض ، وقال آخرون : هي الأطهار .

فكان من حجة من ذهب إلى أنها الأطهار ، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر حين طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض : " مره أن يراجعها ، ثم يتركها حتى تطهر ، ثم ليطلقها إن شاء ، فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء " ، وقد ذكرنا ذلك بإسناده في الباب الذي قبل هذا الباب .

[ ص: 60 ] قالوا : فلما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقها في الطهر ، وجعله العدة دونها ، ونهاه أن يطلقها في الحيض ، وأخرجه من أن يكون عدة ، ثبت بذلك أن الأقراء هي الأطهار .

فكان من الحجة عليهم للآخرين ، أن هذا الحديث قد روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، كما ذكروا .

وقد روي عنه ما هو أتم من ذلك .

فروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يأمره أن يراجعها ثم يمهلها ، حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم ليطلقها إن شاء ، وقال : تلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء .

وقد ذكرنا ذلك أيضا بإسناده في الباب الذي قبل هذا الباب .

فلما نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيقاع الطلاق في الطهر الذي بعد الحيضة ، التي طلق فيها ، حتى يكون طهر وحيضة أخرى بعدها ، ثبت بذلك أنه لو كان أراد بقوله : ( فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء الأطهار ) إذا لجعل له أن يطلقها بعد طهرها من هذه الحيضة ، ولا ينتظر ما بعدها ؛ لأن ذلك طهر .

فلما لم يبح له الطلاق في ذلك الطهر حتى يكون طهرا آخر بينه وبين ذلك الطهر حيضة ، ثبت بذلك أن تلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء ، إنما هي وقت ما تطلق النساء ، وليس لأنها عدة تطلق لها النساء ، يجب بذلك أن تكون هي العدة التي تعتد بها النساء ؛ لأن العدة مختلفة .

منها : عدة المتوفى عنها زوجها ، أربعة أشهر وعشر .

ومنها : عدة المطلقة ثلاثة قروء .

ومنها : عدة الحامل أن تضع حملها ، فكانت العدة اسما واحدا لمعان مختلفة .

ولم يكن كل ما لزمه اسم ( عدة ) وجب أن يكون قرءا .

فكذلك لما لزم اسم الوقت الذي تطلق فيه النساء اسم عدة ، لم يثبت له بذلك اسم القرء .

فهذه معارضة صحيحة ، ولو أردنا أن نكثر هاهنا ، فنحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة : " دعي الصلاة أيام أقرائك " ، فنقول : الأقراء هي : الحيض على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكان ذلك ما قد تعلق به بعض من تقدم ، ولكنا لا نفعل ذلك ؛ لأن العرب قد تسمي الحيض قرءا ، وتسمي الطهر قرءا ، وتجمع الحيض والطهر ، فتسميهما قرءا .

4491 - حدثني بذلك محمود بن حسان النحوي ، قال : ثنا عبد الملك بن هشام ، عن أبي زيد ، عن أبي عمرو بن العلاء .

وفي ذلك أيضا حجة أخرى ، أن عمر رضي الله عنه ، هو الذي خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء " ، ولم يكن ذلك - عنده - دليلا أن الأقراء الأطهار ، إذ قد جعل الأقراء الحيض ، فيما روي عنه .

[ ص: 61 ] فإذا كان هذا عند عمر رضي الله تعالى عنه ، وقد خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، لا دليل فيه على أن القرء الطهر ، كان من بعده فيه أيضا كذلك ، وسنذكر ما روي عن عمر رضي الله عنه في هذا ، في موضعه من هذا الباب ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية