صفحة جزء
4604 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال : ثنا سعيد بن منصور قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما خيرت بريرة رأينا زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته ، [ ص: 83 ] فكلم له العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : زوجك وأبو ولدك ؟ فقالت : أتأمرني به يا رسول الله ؟ فقال : إنما أنا شافع . قالت : إن كنت شافعا فلا حاجة لي فيه ، واختارت نفسها ، وكان يقال له مغيث ، وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم .

قالوا : فإنما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن زوجها كان عبدا .

فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى أن أولى الأشياء بنا - إذا جاءت الآثار هكذا فوجدنا السبيل إلى أن نحملها على غير طريق التضاد - أن نحملها على ذلك ولا نحملها على التضاد والتكاذب ، ويكون حال رواتها - عندنا - على الصدق والعدالة فيما رووا ، حتى لا نجد بدا من أن نحملها على خلاف ذلك .

فلما ثبت أن ما ذكرنا كذلك - وكان زوج بريرة قد قيل فيه : إنه كان عبدا ، وقيل فيه : إنه كان حرا - جعلناه على أنه قد كان عبدا في حال حرا في حال أخرى .

فثبت بذلك تأخر إحدى الحالتين عن الأخرى ، فكان الرق قد يكون بعده الحرية ، والحرية لا يكون بعدها رق ، فلما كان ذلك كذلك جعلنا حال العبودية متقدمة وحال الحرية متأخرة .

فثبت بذلك أنه كان حرا في وقت ما خيرت بريرة ، عبدا قبل ذلك ، هكذا تصحيح الآثار في هذا الباب ، ولو اتفقت الروايات كلها - عندنا - على أنه كان عبدا لما كان في ذلك ما ينفي أن يكون إذا كان حرا زال حكمه عن ذلك ؛ لأنه لم يجئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنما خيرتها لأن زوجها عبد " ، ولو كان ذلك كذلك لانتفى أن يكون لها خيار إذا كان زوجها حرا .

فلما لم يجئ من ذلك شيء وجاء عنه أنه خيرها وكان زوجها عبدا - نظرنا ؛ هل يفترق في ذلك حكم الحر وحكم العبد ؟

فنظرنا في ذلك ، فرأينا الأمة في حال رقها لمولاها أن يعقد النكاح عليها للحر والعبد ، ورأيناها بعد ما تعتق ليس له أن يستأنف عليها عقد نكاح لحر ولا لعبد ، فاستوى حكم ما إلى المولى في العبيد والأحرار وما ليس إليه في العبيد والأحرار في ذلك .

فلما كان ذلك كذلك ، ورأيناها إذ أعتقت بعد عقد مولاها نكاح العبد عليها يكون لها الخيار في حل النكاح عليها - كان كذلك في الحر إذا أعتقت يكون لها حل نكاحه عنها قياسا ونظرا على ما بينا من ذلك .

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، رحمة الله عليهم أجمعين .

[ ص: 84 ] وقد روي ذلك أيضا عن طاوس .

التالي السابق


الخدمات العلمية