صفحة جزء
4995 - حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كان القصاص في بني إسرائيل ، ولم يكن فيهم دية .

فقال الله عز وجل لهذه الأمة :
كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر إلى قوله : فمن عفي له من أخيه شيء ، والعفو في أن يقبل الدية في العمد : ذلك تخفيف من ربكم مما كان كتب على من كان قبلكم .

فأخبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن بني إسرائيل لم يكن فيهم دية ، أي : إن ذلك كان حراما عليهم أن يأخذوه أو يتعرضوا بالدم بدلا ، أو يتركوه حتى يسفكوه ، وأن ذلك مما كان كتب عليهم .

فخفف الله تعالى عن هذه الأمة ، ونسخ ذلك الحكم بقوله : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان .

معناه إذا وجب الأداء .

وسنبين ما قيل في ذلك في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى .

فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أيضا على هذه الجهة ، فقال : من قتل له ولي ، فهو بالخيار بين أن يقتص أو يعفو أو يأخذ الدية التي أبيحت لهذه الأمة ، وجعل لهم أخذها إذا أعطوها .

[ ص: 176 ] هذا وجه يحتمله هذا الحديث . وليس لأحد إذا كان حديث مثل هذا ، يحتمل وجهين متكافئين أن يعطفه على أحدهما دون الآخر ، إلا بدليل من غيره ، يدل أن معناه على ما عطفه عليه .

فنظرنا في ذلك ، هل نجد من ذلك شيئا يدل على شيء من ذلك ؟

فقال أهل المقالة الأولى : فقد قال الله عز وجل : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة . الآية .

فأخبر الله عز وجل في هذه الآية أن للولي أن يعفو أو يتبع القاتل بإحسان ، فاستدلوا بذلك أن للولي - إذا عفا - أن يأخذ الدية من القاتل ، وإن لم يكن اشترط ذلك عليه في عفوه عنه .

قيل لهم : ما في هذا دليل على ما ذكرتم ، وقد يحتمل ذلك وجوها ، أحدها ما وصفتم .

ويحتمل أيضا : فمن عفي له من أخيه شيء على الجهة التي قلنا برضاء القاتل أن يعفو عنه على ما يؤخذ منه .

وقد يحتمل أيضا أن يكون ذلك في الدم الذي يكون بين جماعة ، فيعفو أحدهم ، فيتبع الباقون القاتل بحصصهم من الدية بالمعروف ، ويؤدي ذلك إليهم بإحسان .

هذه تأويلات قد تأولت العلماء هذه الآية عليها ، فلا حجة فيها لبعض على بعض ، إلا بدليل آخر في آية أخرى ، متفق على تأويلها أو سنة أو إجماع .

وفي حديث أبي شريح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : فهو بالخيار بين أن يعفو أو يقتل أو يأخذ الدية ، فجعل عفوه غير أخذه الدية .

فثبت بذلك أنه إذا عفا فلا دية له ، وإذا كان لا دية له إذا عفا عن الدم ، ثبت بذلك أن الذي كان وجب له هو الدم ، وأن أخذه الدية التي أبيحت له هو بمعنى أخذها ، بدلا من القتل .

والأبدال من الأشياء لم نجدها تجب إلا برضاء من تجب عليه ، ورضاء من تجب له .

فإذا ثبت ذلك في القتل ثبت ما ذكرنا ، وانتفى ما قال المخالف لنا .

ولما لم يكن فيما احتج به أهل المقالة الأولى لقولهم ما يدل عليه نظرنا : هل للآخرين خبر يدل على ما قالوا . ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية