صفحة جزء
5043 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا مسدد ، قال : ثنا يحيى ، عن ابن أبي عروبة ، قال : ثنا قتادة ، عن الحسن ، عن قيس بن عباد قال : انطلقت أنا والأشتر إلى علي ، فقلنا : هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس عامة ؟ قال : " لا ، إلا ما كان في كتابي هذا " . فأخرج كتابا من قراب سيفه ، فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ، لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ، ومن أحدث حدثا فعلى نفسه ، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

فهذا هو حديث علي رضي الله عنه بتمامه ، والذي فيه من نفي قتل المؤمن بالكافر ، هو قوله : لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده .

[ ص: 193 ] فاستحال أن يكون معناه على ما حمله عليه أهل المقالة الأولى ؛ لأنه لو كان معناه على ما ذكروا ، لكان ذلك لحنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس من ذلك ، ولكان لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذي عهد في عهده .

فلما لم يكن لفظه كذلك ، وإنما هو : ولا ذو عهد في عهده ، علمنا بذلك أن ذا العهد هو المعني بالقصاص .

فصار ذلك كقوله : لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر .

وقد علمنا أن ذا العهد كافر ، فدل ذلك أن الكافر الذي منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل به المؤمن في هذا الحديث هو الكافر الذي لا عهد له .

فهذا مما لا اختلاف فيه بين المؤمنين ، أن المؤمن لا يقتل بالكافر الحربي ، وأن ذا العهد الكافر الذي قد صار له ذمة لا يقتل به أيضا .

وقد نجد مثل هذا كثيرا في القرآن ؛ قال الله تعالى : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن .

فكان معنى ذلك واللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر . فقدم وأخر .

فكذلك قوله : لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده إنما مراده فيه ، والله أعلم : لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر ، فقدم وأخر .

فالكافر الذي منع أن يقتل به المؤمن هو الكافر غير المعاهد .

فإن قال قائل : قوله : ولا ذو عهد في عهده إنما معناه : لا يقتل مؤمن بكافر ، فانقطع الكلام ، ثم قال : ولا ذو عهد في عهده . كلاما مستأنفا ، أي : ولا يقتل المعاهد في عهده .

فكان من حجتنا عليه أن هذا الحديث إنما جرى في الدماء المسفوك بعضها ببعض ؛ لأنه قال : المسلمون يد على من سواهم ، تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ثم قال : لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ، فإنما أجرى الكلام على الدماء التي تؤخذ قصاصا ، ولم يجر على حرمة دم بعهد ، فيحمل الحديث على ذلك ، فهذا وجه .

وحجة أخرى : أن هذا الحديث إنما روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا نعلم أنه روي عن غيره من طريق صحيح ، فهو كان أعلم بتأويله .

وتأويله فيه إذ كان محتملا عندكم يحتمل هذين المعنيين اللذين ذكرتم دليل على أن معناه في الحقيقة هو ما تأوله عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية