صفحة جزء
5206 - وقد حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي ، قال : ثنا دحيم ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا صفوان ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه ، عن عوف .

5207 قال الوليد : وحدثني ثور ، عن خالد بن معدان ، عن جبير ، عن عوف - وهو ابن مالك - أن مدديا رافقهم في غزوة مؤتة ، وأن روميا كان يشد على المسلمين ويغري بهم ، فتلطف له ذلك المددي ، فقعد له تحت صخرة ، فلما مر به ، عرقب فرسه ، وخر الرومي لقفاه ، فعلاه بالسيف فقتله ، فأقبل بفرسه ، وسيفه ، وسرجه ، ولجامه ، ومنطقته ، وسلاحه ، كل ذلك مذهب بالذهب والجوهر ، إلى خالد بن الوليد ، فأخذ منه خالد طائفة ، ونفله بقيته .

فقلت : يا خالد ، ما هذا ؟ أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل القاتل السلب كله .

قال : بلى ، ولكني استكثرته ، فقلت : إني والله لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال عوف : فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته خبره ، فدعاه وأمره أن يدفع إلى المددي بقية سلبه ، فولى خالد ليدفع سلبه .

فقلت : كيف رأيت يا خالد ؟ أولم أف لك بما وعدتك ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا خالد ، لا تعطه ، فأقبل علي فقال : هل أنتم تاركو أمرائي ؟ لكم صفوة أمرهم ، وعليهم كدره .

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أمر خالدا بدفع بقية السلب إلى المددي ، فلما تكلم عوف بما تكلم به أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا أن لا يدفعه إليه .


[ ص: 232 ] فدل ذلك أن السلب لم يكن واجبا للمددي ، بقتله الذي كان ذلك السلب عليه ؛ لأنه لو كان واجبا له بذلك إذا لما منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام كان من غيره .

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالدا بدفعه إليه ، وله دفعه إليه ، وأمره بعد ذلك بمنعه منه ، وله منعه منه ، كقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لأبي طلحة في حديث البراء بن مالك الذي قد ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب : ( إنا كنا لا نخمس الأسلاب ، وإن سلب البراء قد بلغ مالا عظيما ، ولا أرانا إلا خامسيه ) . قال : فخمسه .

فأخبر عمر أنهم كانوا لا يخمسون الأسلاب ، ولهم أن يخمسوها ، وأن تركهم تخميسها ، إنما كان بتركهم ذلك لا لأن الأسلاب قد وجبت للقاتلين ، كما تجب لهم سهمانهم من الغنيمة .

فكذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عوف بن مالك ، من أمره خالدا بما أمره به ، ومن نهيه إياه بعد ذلك عما نهاه عنه ، إنما أمره بما له أن يأمر به ، ونهاه عما له أن ينهاه عنه .

وفيما ذكرنا دليل صحيح أن السلب لا يجب للقاتلين من هذه الجهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية