صفحة جزء
[ ص: 254 ] 5256 - حدثنا خلاد بن محمد الواسطي ، قال : ثنا محمد بن شجاع ، عن يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثل حديث أحمد بن داود ، وزاد : إنه كان تزوجهن في الجاهلية .

فكان تزويج غيلان للنسوة اللاتي كن عنده حين أسلم ، في وقت كان تزوج ذلك العدد جائزا ، والنكاح عليه ثابت .

ولم يكن للواحدة حينئذ من ثبوت النكاح إلا ما للعاشرة مثله ، ثم أحدث الله عز وجل حكما آخر ، وهو تحريم ما فوق الأربع ، فكان ذلك حكما طارئا ، طرأت به حرمة حادثة على نكاح غيلان ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أن يمسك من النساء العدد الذي أباحه الله ، ويفارق ما سوى ذلك ، وجعل كرجل له أربع نسوة ، فطلق إحداهن ، فحكمه أن يختار منهن واحدة ، فيجعل ذلك الطلاق عليها ، ويمسك الأخرى .

وكذلك أبو حنيفة ، وأبو يوسف رحمهما الله يقولان في هذا .

فأما من تزوج عشر نسوة بعد تحريم الله ما جاوز الأربع في عقدة واحدة ، فإنه إنما عقد النكاح عليهن عقدا فاسدا ، فلا يثبت بذلك له نكاح .

ألا ترى أنه لو تزوج ذات رحم محرم منه في دار الحرب ، وهو مشرك ، ثم أسلم ، أنها لا تقر تحته ، وإن كان عقده لذلك كان في دار الحرب وهو مشرك .

فلما كان هذا يرد حكمه فيه إلى حكم نكاحات المسلمين فيما يعقدون في دار الإسلام ، كان كذلك أيضا حكمه في العشر نسوة اللاتي تزوجهن وهو مشرك في دار الحرب ، يرد حكمه في ذلك إلى حكم المسلمين في نكاحاتهم .

فإن كان تزوجهن في عقدة واحدة ، فنكاحهن باطل ، وإن كان تزوجهن في عقد متفرقة جاز نكاح الأربع الأول منهن ، وبطل نكاح سائرهن .

فإن قال قائل : فقد ترك أبو حنيفة ، وأبو يوسف قولهما ، في شيء قالاه في هذا المعنى .

وذلك أنهما قالا في رجل من أهل الحرب سبي وله أربع نسوة ، وسبين معه : إن نكاحهن كلهن قد فسد ، ويفرق بينه وبينهن .

قال : فقد كان ينبغي - على ما حملا عليه حديث غيلان - أن يجعلا له أن يختار منهن اثنين فيمسكهما ، ويفارق الاثنتين الباقيتين ؛ لأن نكاح الأربع قد كان كله ثابتا صحيحا ، وإنما طرأ الرق عليه ، فحرم عليه ما فوق الاثنتين ، كما أنه لما طرأ حكم الله في تحريم ما فوق الأربع ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غيلان باختيار أربع من نسائه ، وفراق سائرهن .

قيل له : ما خرج أبو حنيفة ، وأبو يوسف رحمهما الله بما ذكرت عن أصلهما ، ولكنهما ذهبا إلى ما قد خفي عليك .

وذلك أن هذا كان تزوج الأربع في وقت ما تزوجهن بعد ما حرم على العبد تزوج ما فوق الاثنتين .

[ ص: 255 ] فإذا تزوج ، وهو حربي في دار الحرب ما فوق اثنتين ، ثم سبي وسبين معه ، رد حكمه في ذلك إلى حكم تحريم قد كان قبل نكاحه ، فصار كأنه تزوجهن في عقده بعد ما صار رقيقا ، وهو في ذلك ، كرجل تزوج صبيتين صغيرتين ، فجاءت امرأة فأرضعتهما معا ، فإنهما تبينان منه جميعا ، ولا يؤمر بأن يختار إحداهما فيمسكها ، ويفارق الأخرى ؛ لأن حرمة الرضاع طرأت عليه بعد نكاحه إياهما .

وكذلك الرق الطارئ على النكاح الذي وصفنا ، حكمه حكم هذا الرضاع الذي ذكرنا .

وهما جميعا مفارقان لما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيلان ابن سلمة ؛ لأن غيلان لم يكن حرمة الله لما فوق الأربع ، تقدمت نكاحه ، فيرد حكم نكاحه إليها ، وإنما طرأت الحرمة على نكاحه بعد ثبوته كله ، فردت حرمة ما حرم عليه من ذلك إلى حكم حادث بعد النكاح ، فوجب له بذلك الخيار ، كما يجب له في الطلاق الذي ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية