صفحة جزء
5293 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا يوسف ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري والحسن ، قالا : ما أحرز المشركون فهو فيء للمسلمين ، لا يرد منه شيء .

فكل هؤلاء - الذين روينا عنهم هذه الآثار - قد ثبت ملك المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين ، وإنما اختلافهم فيما بعد ذلك .

فقال الحسن والزهري : إن ما أحرز المشركون من أموال المسلمين ، ثم قدر المسلمون عليه بعد ذلك ، فلا سبيل لصاحبه عليه .

وقد خالفهما في ذلك شريح ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وعامر ، ومن تقدمهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر ، وعلي ، وأبو عبيدة ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، رضوان الله عليهم أجمعين .

وشذ ما قالوه من ذلك ، ما قد رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تميم بن طرفة ، فذلك أولى مما ذهبنا إليه ، وإن كان النظر مخالفا لما ذهب إليه الفريقان جميعا .

وذلك أنا رأينا المسلمين يسبون أهل الحرب وأموالهم ، فيملكون أموالهم ، كما يملكون رقابهم ، وكان المشركون إذا أسروا المسلمين لم يملكوا رقابهم .

فالنظر على ذلك أن لا يملكوا أموالهم ، ويكون حكم أموال المسلمين كحكم رقابهم ، كما كان حكم أموال المشركين كحكم رقابهم .

[ ص: 265 ] ولكنا منعنا من ذلك بما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما حكم به المسلمون من بعده .

فلما ثبت ما حكموا به من ذلك ، فنظرنا إلى ما اختلف فيه ، من حكم ما قدر عليه المسلمون في ذلك ، فأخذوه من أيدي المشركين ، فجاء صاحبه بعد ما قسم ، هل له أن يأخذه بالقيمة ؛ كما قال بعض من روينا عنه في هذا الباب . أو لا يأخذه بقيمة ولا غيرها ؛ كما قد قال بعض من روينا عنه في هذا الباب أيضا ؟

فنظرنا في ذلك ، فرأينا النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم في مشتري البعير من أهل الحرب أن لصاحبه أن يأخذه منه بالثمن ، وكان ذلك البعير قد ملكه المشتري من الحربيين ، كما يملك الذي يقع في سهمه من الغنيمة ما يقع في سهمه منها .

فالنظر على ذلك أن يكون الإمام إذا قسم الغنيمة ، فوقع شيء منها في يد رجل ، وقد كان أسر ذلك من يد آخر ، أن يكون المأسور من يده كذلك ، وأن يكون له أخذ ما كان أسر من يده من يدي الذي وقع في سهمه بقيمته ، كما يأخذه من يد مشتريه الذي ذكرنا بثمنه .

وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمة الله عليهم أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية