صفحة جزء
5310 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا محمد بن المنهال ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحاط على شيء ، فهو له .

قال أبو جعفر : فذهب ذاهبون إلى أن من أحيا أرضا ميتة فهي له ، أذن له الإمام في ذلك أو لم يأذن ، وجعلها له الإمام ، أو لم يجعلها له ، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار .

وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما ، وقالوا : لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحيا أرضا ميتة فهي له " فقد جعل حكم إحياء ذلك إلى من أحب ، فلا أمر للإمام في ذلك ، وقالوا : قد دلت على هذا أيضا شواهد النظر .

ألا ترى أن الماء الذي في البحار والأنهار ، من أخذ منه شيئا ملكه بأخذه إياه ، وإن لم يأمره الإمام بأخذه ، ويجعله له .

وكذلك الصيد من اصطاده فهو له ، ولا يحتاج في ذلك إلى إباحة من الإمام ، ولا إلى تمليك ، والإمام في ذلك وسائر الناس سواء .

قالوا : فكذلك الأرض الميتة التي لا ملك لأحد عليها ، فهي كالطير الذي ليس بمملوك ، فمن أخذ من ذلك شيئا فهو له بأخذه إياه ، ولا يحتاج في ذلك إلى أمر من الإمام ، ولا إلى تمليكه ، كما لا يحتاج إلى ذلك منه في الماء والصيد اللذين ذكرنا .

[ ص: 269 ] وخالفهم في ذلك آخرون ، منهم أبو حنيفة رحمة الله عليه ، فقالوا : لا تكون الأرض تحيا إلا بأمر الإمام في ذلك لمن يحييها وجعلها له .

وقالوا : ليس ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكر في هذا الباب بدافع لما قلنا ؛ لأن ذلك الإحياء الذي جعل به رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض للذي أحياها في هذا الحديث لم يفسر لنا ما هو .

فقد يجوز أن يكون هو ما فعل من ذلك بأمر الإمام ، فيكون قوله : " من أحيا أرضا ميتة فهي له " ، أي : من أحياها على شرائط الإحياء فهي له .

ومن شرائطه تحظيرها ، وإذن الإمام له فيها ، وتمليكه إياها .

فقد يجوز أن يكون هذا هو معنى الحديث ، ويجوز أن يكون على ما تأوله أبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهما ، إلا أنه لا يجوز أن يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول ، أنه أراد معنى إلا بالتوقيف منه ، أو بإجماع ممن بعده ، أنه أراد ذلك المعنى .

فنظرنا - إذ لم نجد في هذا الحديث حجة لأحد الفريقين - في غيره من الأحاديث هل فيها ما يدل على شيء من ذلك . ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية