صفحة جزء
5536 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : ثنا عفان ، قال : ثنا همام ، قال : ثنا قتادة ، قال : ثنا الحسن ، عن سمرة بن جندب ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : البيعان بالخيار ، ما لم يتفرقا ، ويأخذ كل واحد منهما ما رضي من البيع .

قال أبو جعفر : فاختلف الناس في تأويل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " . فقال قوم : هذا على الافتراق بأقوال ، فإذا قال البائع ( قد بعت منك ) قال المشتري : ( قد قبلت ) فقد تفرقا وانقطع خيارهما . وقالوا : الذي كان لهما من الخيار ، هو ما كان للبائع أن يبطل قوله للمشتري : ( قد بعتك هذا العبد بألف درهم ) قبل قبول المشتري . فإذا قبل المشتري ، فقد تفرق هو والبائع ، وانقطع الخيار . وقالوا : هذا كما ذكر الله - عز وجل - في الطلاق فقال : وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته .

[ ص: 14 ] فكان الزوج إذا قال للمرأة ( قد طلقتك على كذا وكذا ) فقالت المرأة : ( قد قبلت ) فقد بانت ، وتفرقا بذلك القول ، وإن لم يتفرقا بأبدانهما .

قالوا : فكذلك إذا قال الرجل للرجل : ( قد بعتك عبدي هذا ، بألف درهم ) فقال المشتري : ( قد قبلت ) فقد تفرقا بذلك القول ، وإن لم يتفرقا بأبدانهما .

وممن قال بهذا القول ، وفسر بهذا التفسير ، محمد بن الحسن - رحمة الله عليه .

وقال عيسى بن أبان : الفرقة التي تقطع الخيار المذكور في هذه الآثار ، هي الفرقة بالأبدان ، وذلك أن الرجل إذا قال للرجل : ( قد بعتك عبدي هذا بألف درهم ) فللمخاطب بذلك القول ، أن يقبل ، ما لم يفارق صاحبه ، فإذا افترقا ، لم يكن له بعد ذلك أن يقبل . قال : ولولا أن هذا الحديث جاء ، ما علمنا ما يقطع ما للمخاطب من قبول المخاطبة التي خاطبه بها صاحبه ، وأوجب له بها البيع . فلما جاء هذا الحديث ، علمنا أن افتراق أبدانهما بعد المخاطبة بالبيع ، يقطع قبول تلك المخاطبة . وقد روي هذا التفسير عن أبي يوسف - رحمة الله عليه .

قال عيسى : وهذا أولى ما حمل عليه تفسير تأويل هذا الحديث ، لأنا رأينا الفرقة التي لها حكم فيما اتفقوا عليه ، هي الفرقة في الصرف ، فكانت تلك الفرقة إنما يجب بها فساد عقد متقدم ، ولا يجب بها صلاحه . فكانت هذه الفرقة المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيار المتبايعين ، إذا جعلناها على ما ذكرنا ، فسد بها ما كان تقدم من عقد المخاطب . وإن جعلناها على ما قال الذين جعلوا الفرقة بالأبدان يتم بها البيع ، كانت بخلاف فرقة الصرف ولم يكن لها أصل فيما اتفقوا عليه ، لأن الفرقة المتفق عليها ، إنما يفسد بها ما تقدمها ، إذا لم يكن تم ، حتى كانت .

فأولى الأشياء بنا أن نجعل هذه الفرقة المختلف فيها ، كالفرقة المتفق عليها ، فيجبر بها فساد ما قد تقدمها ، ما لم يكن تم ، حتى كانت ، فثبت بذلك ما ذكرنا .

وقال آخرون : هذه الفرقة المذكورة في هذا الحديث ، هي على الفرقة بالأبدان ، فلا يتم البيع ، حتى تكون ، فإذا كانت تم البيع . واحتجوا في ذلك ، بأن الخبر أطلق ذكر المتبايعين فقال : " البيعان بالخيار ، ما لم يتفرقا " .

قالوا : فهما قبل البيع متساومان ، فإذا تبايعا ، صارا متبايعين ، فكان اسم البائع لا يجب لهما إلا بعد العقد فلم يجب لهما الخيار .

واحتجوا في ذلك أيضا بما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان إذا بايع رجلا شيئا ، فأراد أن لا يقبله ، قام فمشى ، ثم رجع .

[ ص: 15 ] قالوا : وهو قد سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " فكان ذلك - عنده - على التفرق بالأبدان ، وعلى أن البيع يتم بذلك . فدل ما ذكرنا ، على أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كذلك أيضا . واحتجوا في ذلك أيضا بحديث أبي برزة الذي قد ذكرناه عنه ، في أول هذا الباب ، وبقوله للرجلين اللذين اختصما إليه : ( ما أراكما تفرقتما ) فكان ذلك التفرق عنده هو التفرق بالأبدان ، ولم يتم البيع عنده قبل ذلك التفرق .

فكان من الحجة - عندنا - على أهل هذه المقالة ، لأهل المقالتين الأوليين ، أن ما ذكروا من قولهم : ( لا يكونان متبايعين إلا بعد أن يتعاقدا البيع ، وهما قبل ذلك متساومان غير متبايعين ) فذلك إغفال منهم لسعة اللغة ، لأنه قد يحتمل أن يكونا سميا متبايعين ، لقربهما من التبايع ، وإن لم يكونا تبايعا ، وهذا موجود في اللغة قد سمي إسحاق أو إسماعيل - عليهما السلام - ذبيحا لقربه من الذبح ، وإن لم يكن ذبح .

فكذلك يطلق على المتساومين اسم المتبايعين ، إذا قربا من البيع ، وإن لم يكونا تبايعا .

وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يسوم الرجل على سوم أخيه " ، وقال : " لا يبيع الرجل على بيع أخيه " ومعناهما واحد .

فلما سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المساوم الذي قد قرب من البيع ، متبايعا ، وإن كان ذلك قبل عقده البيع ، احتمل أيضا أن يكون كذلك المتساومان ، سماهما متبايعين ، لقربهما من البيع ، وإن لم يكونا عقدا عقدة البيع ، فهذه معارضة صحيحة .

وأما ما ذكروا عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - من فعله الذي استدلوا به على مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفرقة ، فإن ذلك قد يحتمل - عندنا - ما قالوا ، ويحتمل غير ذلك .

قد يجوز أن يكون ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أشكلت عليه تلك الفرقة التي سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هي ؟ فاحتملت - عنده - الفرقة بالأبدان ، على ما ذكره أهل هذه المقالة .

واحتملت - عنده - الفرقة بالأبدان على ما ذكره أهل هذه المقالة التي ذهب إليها عيسى .

واحتملت - عنده - الفرقة بالأقوال ، على ما ذهب إليه الآخرون ، ولم يحضره دليل يدله أنه بأحدها أولى منه عما سواه منها ، ففارق بايعه ببدنه ، احتياطا . ويحتمل أيضا أن يكون فعل ذلك ، لأن بعض الناس يرى أن البيع لا يتم إلا بذلك ، وهو يرى أن البيع يتم بغيره . فأراد أن يتم البيع في قوله وقول مخالفه ، حتى لا يكون لبائعه نقض البيع عليه ، في قوله ، ولا في قول مخالفه ، [ ص: 16 ] وقد روي عنه ما يدل أن رأيه في الفرقة ، كان بخلاف ما ذهب إليه من ذهب ، إلى أن البيع يتم بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية