صفحة جزء
5587 - حدثنا حسين بن نصر قال : سمعت يزيد بن هارون قال : أخبرني حماد بن سلمة ، عن عكرمة بن خالد المخزومي ، عن ابن عمر أن رجلا اشترى نخلا قد أبرها صاحبها ، فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه أن الثمرة لصاحبها الذي أبرها إلا أن يشترط المشتري .

قال أبو جعفر : فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآثار ، ثمر النخل لبائعها إلا أن يشترطها مبتاعها ، فيكون له باشتراطه إياها ، ويكون بذلك مبتاعا لها .

وقد أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - هاهنا ، بيع ثمرة في رءوس النخل قبل بدو صلاحها .

[ ص: 27 ] فدل ذلك أن المعنى المنهي عنه في الآثار الأول خلاف هذا المعنى . فإن قال قائل : إن ما أجيز ، هو بيع الثمر في هذه الآثار ، لأنه مبيع مع غيره ، وليس في جواز بيعه مع غيره ما يدل على أن بيعه وحده كذلك ، لأنا قد رأينا أشياء تدخل مع غيرها في البيعات ، ولا يجوز إفرادها بالبيع . من ذلك ، الطرق والأفنية ، تدخل في بيع الدور ، ولا يجوز أن تفرد بالبيع .

فجوابنا في ذلك - وبالله التوفيق - أن الطرق والأفنية ، تدخل في البيع ، وإن لم يشترط ، ولا يدخل الثمر في بيع النخل إلا أن يشترط .

فالذي يدخل في بيع غيره ، لا باشتراط ، هو الذي لا يجوز أن يكون مبيعا وحده . والذي لا يكون داخلا في بيع غيره إلا باشتراط ، هو الذي إذا اشترط ، كان مبيعا ، فلم يجز أن يكون مبيعا مع غيره إلا وبيعه وحده جائزا . ألا يرى أن رجلا لو باع دارا ، وفيها متاع ، أن ذلك المتاع لا يدخل في البيع وأن مشتريها لو اشترطه في شرائه الدار ، صار له باشتراطه إياه . ولو كان الذي في الدار خمرا أو خنزيرا ، فاشترطه في البيع ، فسد البيع .

فكان لا يدخل في شرائه الدار باشتراطه في ذلك ، إلا ما يجوز له شراؤه . ولو اشترى وحده ، وكان الثمر الذي ذكرنا يجوز له اشتراطه مع النخل ، فلم يكن ذلك ، إلا لأنه يجوز بيعه وحده . أولا يرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الحديث ، وقرنه مع ذكره النخل : " من باع عبدا له مال ، فماله للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع " . فجعل المال للبائع ، إذا لم يشترطه المبتاع ، وجعله للمبتاع باشتراطه إياه ، وكان ذلك المال لو كان خمرا أو خنزيرا ، فسد بيع العبد ، إذا اشترطه فيه . وإنما يجوز أن يشترط مع العبد من ماله ، ما يجوز بيعه وحده ، فأما ما لا يجوز بيعه وحده ، فلا يجوز اشتراطه في بيعه ، لأنه يكون بذلك مبيعا ، وبيع ذلك الشيء لا يصلح ، فذلك أيضا دليل صحيح على ما ذكرنا في الثمرة الداخلة في بيع النخل بالاشتراط ، أنها الثمار التي يجوز بيعها على الانفراد ، دون بيع النخل .

فثبت بذلك ما ذكرنا ، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف - رحمة الله عليهما - .

وكان محمد بن الحسن يذهب إلى أن النهي الذي ذكرناه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول هذا الباب ، هو بيع الثمر ، على أن يترك في رءوس النخل ، حتى يبلغ ويتناهى ، وحتى يجد ، وقد وقع البيع عليه قبل التناهي ، فيكون المشتري قد ابتاع ثمرا ظاهرا ، وما ينميه نخل البائع بعد ذلك إلى أن يجد ، فذلك باطل . قال : فأما إذا وقع البيع بعدما تناهى عظمه ، وانقطعت زيادته ، فلا بأس بابتياعه واشتراط تركه إلى حصاده وجداده .

[ ص: 28 ] قال : فإنما وقع النهي عن ذلك ، لاشتراطه الترك لمكان الزيادة . قال : وفي ذلك دليل على أن لا بأس بذلك الاشتراط في ابتياعه ، بعد عدم الزيادة .

حدثني سليمان بن شعيب بهذا ، عن أبيه ، عن محمد .

وتأويل أبي حنيفة ، وأبي يوسف في هذا أحسن عندنا ، والله أعلم .

والنظر أيضا يشهد له ، لأنه إذا وقع البيع على الثمار بعد تناهيها ، على أن تترك إلى الحصاد ، فالنخل هاهنا مستأجرة ، ليكون الثمار فيها إلى وقت جدادها عنها ، وذلك لو كان على الانفراد ، لم يجز ، فإذا كان مع غيره ، فهو أيضا كذلك . وقد قال قوم : إن النهي الذي كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، لم يكن منه على تحريم ذلك ، ولكنه كان على المشورة عليهم بذلك لكثرة ما كانوا يختصمون إليه فيه ، ورووا ذلك عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - .

التالي السابق


الخدمات العلمية