صفحة جزء
6018 - وقد حدثنا أبو العوام محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي ، قال : ثنا يحيى بن حسان ، قال : ثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانوا في غزاة ، فمروا بحي من أحياء العرب ، فقالوا : هل فيكم من راق ؟ فإن سيد الحي قد لدغ أو قد عرض له شيء .

[ ص: 127 ] قال : فرقاه رجل بفاتحة الكتاب فبرأ ، فأعطي قطيعا من الغنم فأبى أن يقبله .

فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : بم رقيته ؟ فقال : بفاتحة الكتاب .

قال : وما يدريك أنها رقية ؟ قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوها واضربوا لي معكم فيها بسهم
.

فاحتج قوم بهذه الآثار ، فقالوا : لا بأس بالجعل على تعليم القرآن .

وخالفهم في ذلك آخرون ، فكرهوا الجعل على تعليم القرآن كما قد يكره الجعل على تعليم الصلاة .

وقد كان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في ذلك أن الآثار الأول في ذلك لم يكن الجعل المذكور فيها على تعليم القرآن ، وإنما كان على الرقى التي لم يقصد بالاستيجار عليها إلى القرآن .

وكذلك نقول نحن أيضا : لا بأس بالاستيجار على الرقى والعلاجات كلها ، وإن كنا نعلم أن المستأجر على ذلك قد يدخل فيما يرقي به بعض القرآن ؛ لأنه ليس على الناس أن يرقي بعضهم بعضا ، فإذا استؤجروا فيه على أن يعملوا ما ليس عليهم أن يعملوه جاز ذلك .

وتعليم القرآن على الناس واجب أن يعلمه بعضهم بعضا ؛ لأن في ذلك التبليغ عن الله تعالى ، إلا أن من علمه منهم أجزى ذلك عن بقيتهم كالصلاة على الجنائز ، إنما هي فرض على الناس جميعا ، إلا أن من فعل ذلك منهم أجزى عن بقيتهم .

ولو أن رجلا استأجر رجلا ليصلي على ولي له قد مات لم يجز ذلك ؛ لأنه إنما استأجره على أن يفعل ما عليه أن يفعل ذلك .

فكذلك تعليم الناس القرآن بعضهم بعضا هو عليهم فرض ، إلا أن من فعله منهم فقد أجزى فعله ذلك عن بقيتهم .

فإذا استأجر بعضهم بعضا على تعليم ذلك كانت إجارته تلك واستيجاره إياه باطلا ؛ لأنه إنما استأجره على أن يؤدي فرضا هو عليه لله تعالى ، وفيما يفعله لنفسه ؛ لأنه إنما يسقط عنه الفرض بفعله إياه ، والإجارات إنما تجوز وتملك بها الأبدال فيما يفعله المستأجرون للمستأجرين .

فإن قال قائل : فهل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على ما ذكرت في المنع من الاستيجار على تعليم القرآن ؟ قيل له : نعم قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه قال : لا تأكلوا بالقرآن .

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال : كنت أقرئ ناسا من أهل الصفة القرآن ، فأهدى إلي رجل منهم قوسا على أن أقبلها في سبيل الله تعالى .

فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : إن أردت أن يطوقك الله بها قوسا من نار فاقبلها .

[ ص: 128 ] وقد ذكرنا ذلك كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيدها فيما تقدم منا من كتابنا هذا في باب التزويج على سورة من القرآن من كتاب النكاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية