صفحة جزء
644 - حدثنا محمد بن خزيمة قال : ثنا حجاج بن المنهال قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث يونس ، عن ابن وهب ، وحديث محمد بن علي عن سليمان بن داود ، غير أنه قال : فإذا ذهب قدرها ، فاغسلي عنك الدم ، وتوضئي وصلي . ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بالوضوء مع أمره إياها بالغسل ، فذلك الوضوء هو الوضوء لكل صلاة ، فهذا معنى حديث أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وليس حماد بن سلمة عندكم في هشام بن عروة ، بدون مالك والليث وعمرو بن الحارث . فقد ثبت بما ذكرنا صحة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة أنها تتوضأ في حال استحاضتها لوقت كل صلاة .

إلا أنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقدم ذكرنا له في هذا الباب .

فأردنا أن ننظر في ذلك ، لنعلم ما الذي ينبغي أن يعمل به من ذلك ؟ فكان ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رويناه في أول هذا الباب ، أنه أمر أم حبيبة رضي الله عنها بنت جحش بالغسل عند كل صلاة .

فقد ثبت نسخ ذلك ، بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفصل الثاني من هذا الباب ، في حديث ابن أبي داود عن الوهبي ، في أمر سهلة بنت سهيل ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمرها بالغسل لكل صلاة . فلما أجهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل ، وبين المغرب والعشاء بغسل ، وتغتسل للصبح غسلا .

فكان ما أمرها به من ذلك ناسخا لما كان أمرها به قبل ذلك ، من الغسل لكل صلاة .

[ ص: 104 ] فأردنا أن ننظر فيما روي في ذلك ، كيف معناه ؟ فإذا عبد الرحمن بن القاسم قد روى عن أبيه في المستحاضة التي استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختلف عن عبد الرحمن في ذلك . فروى الثوري عنه ، عن أبيه ، عن زينب بنت جحش : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك ، وأن تدع الصلاة أيام أقرائها . ورواه ابن عيينة ، عن عبد الرحمن أيضا ، عن أبيه ، ولم يذكر زينب ، إلا أنه وافق الثوري في معنى متن الحديث ، فكان ذلك على الجمع بين كل صلاتين بغسل في أيام الاستحاضة خاصة .

فثبت بذلك أن أيام الحيض كان موضعها معروفا . ثم جاء شعبة فرواه عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، كما رواه الثوري ، وابن عيينة ، غير أنه لم يذكر أيام الأقراء ، وتابعه على ذلك محمد بن إسحاق . فلما روي هذا الحديث كما ذكرنا ، فاختلفوا فيه ، كشفناه ، لنعلم من أين جاء الاختلاف ، فكان ذكر أيام الأقراء في حديث القاسم عن زينب ، وليس ذلك في حديثه ، عن عائشة ، فوجب أن يجعل روايته عن زينب غير روايته عن عائشة رضي الله عنها ، فكان حديث زينب الذي فيه ذكر الأقراء حديثا منقطعا لا يثبته أهل الخبر ؛ لأنهم لا يحتجون بالمنقطع ، وإنما جاء انقطاعه لأن زينب لم يدركها القاسم ، ولم يولد في زمنها ، لأنها توفيت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهي أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفاة بعده . وكان حديث عائشة رضي الله عنها هو الذي ليس فيه ذكر الأقراء ، إنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بغسل ، على ما في ذلك الحديث ، ولم يبين أي مستحاضة هي ؟ فقد وجدنا استحاضة قد تكون على معاني مختلفة . فمنها أن يكون مستحاضة قد استمر بها الدم ، وأيام حيضها معروفة لها . فسبيلها أن تدع الصلاة أيام حيضها ، ثم تغتسل وتتوضأ بعد ذلك .

ومنها أن يكون مستحاضة ، لأن دمها قد استمر بها ، فلا ينقطع عنها ، وأيام حيضها قد خفيت عليها . فسبيلها أن تغتسل لكل صلاة ، لأنها لا يأتي عليها وقت إلا احتمل أن تكون فيه حائضا أو طاهرا من حيض أو مستحاضة ، فيحتاط لها فتؤمر بالغسل .

ومنها أن تكون مستحاضة قد خفيت عليها أيام حيضها ، ودمها غير مستمر بها ، ينقطع ساعة ويعود بعد ذلك - هكذا هي في أيامها كلها .

فتكون قد أحاط علمها أنها في وقت انقطاع دمها إذا اغتسلت حينئذ غير طاهر من حيض طهرا يوجب عليها غسلا .

[ ص: 105 ] فلها أن تصلي في حالها تلك ما أرادت من الصلوات بذلك الغسل إن أمكنها ذلك . فلما وجدنا المرأة قد تكون مستحاضة بكل وجه من هذه الوجوه ، التي معانيها مختلفة ، وأحكامها مختلفة ، واسم المستحاضة يجمعها ولم نجد في حديث عائشة رضي الله عنها ذلك بيان استحاضة تلك المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم لها بما ذكرنا ، أي مستحاضة هي ؟ لم يجز لنا أن نحمل ذلك على وجه من هذه الوجوه ، دون غيره ، إلا بدليل يدلنا على ذلك . فنظرنا في ذلك هل نجد فيه دليلا ؟ :

التالي السابق


الخدمات العلمية