صفحة جزء
7260 - فنظرنا في ذلك فإذا ابن أبي داود قد حدثنا ، قال : ثنا أبو اليمان ، قال : ثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن أسامة بن زيد أخبره ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار ، عليه إكاف على قطيفة ، وأردف أسامة بن زيد وراءه ، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن خزرج ، قبل وقعة بدر .

فسار حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول ، في ذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان ، واليهود ، وفي المجلس عبد الله بن رواحة .

فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة ، خمر ابن أبي ابن سلول ، أنفه بردائه ، ثم قال : لا تغبروا علينا .

فسلم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ، ثم وقف فنزل ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وقرأ عليهم القرآن .

قال عبد الله بن أبي ابن سلول : أيها المرء ، إنه لحسن ما تقول ، إن كان حقا ، فلا تؤذينا به في مجالسنا ، ارجع إلى رحلك ، فمن جاءك فاقصص عليه .

فقال عبد الله بن رواحة : بل يا رسول الله ، فاغشنا به في مجالسنا ؛ فإنا نحب ذلك .

فاستب المسلمون والمشركون واليهود ، حتى كادوا يتبارزون ، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم ، حتى سكنوا ، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته ، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا سعد ألم تسمع إلى ما يقول أبو حباب ؟ يعني ابن أبي ابن سلول ، قال كذا وكذا ، قال سعد : يا رسول الله ، اعف عنه واصفح ، فوالذي نزل عليك الكتاب ، لقد جاءك الله بالحق الذي أنزل عليك ، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة ، فلما رد الله عز وجل ذلك بالحق الذي أعطاك ، شرق بذلك ، فذلك فعل ما رأيت ، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم
.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين ، وأهل الكتاب ، ويصبرون على الأذى ، حتى قال الله [ ص: 343 ] عز وجل : ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور .

وقال الله عز وجل : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم الآية .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول العفو ، كما أمره الله عز وجل به ، حتى أذن الله فيهم .

فلما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بدرا ، فقتل الله عز وجل به من قتل من صناديد كفار قريش ، قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين ، عبدة الأوثان : هذا أمر قد توجه ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، وأسلموا .

ففي هذا الحديث ، أن ما كان من تسليم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ، وكان في الوقت الذي أمره الله بالعفو عنهم ، والصفح ، وترك مجادلتهم إلا بالتي هي أحسن ، ثم نسخ الله ذلك وأمره بقتالهم ، فنسخ مع ذلك السلام عليهم ، وثبت قوله : " لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، ومن سلم عليكم منهم ، فقولوا : وعليكم ، حتى تردوا عليه ما قال . ونهوا أن يزيدوهم على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية