صفحة جزء
7391 - حدثنا محمد بن حميد ، قال : ثنا سعيد بن عيسى بن تليد ، قال : ثنا المفضل بن فضالة القتباني ، عن أبي الطاهر عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمه عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : حدثتني خالتي عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة ، مثله .

قالوا : فهذا ما ينبغي للناس أن يفعلوه إلى اليوم ، وليس بمنسوخ ، فما ينكرون أن القرعة في العتاق في المرض كذلك .

قيل لهم : قد ذكرنا في ذلك في موضعه ما يغني ، ولكنا نذكر هاهنا ما فيه أيضا دليل أن لا حجة لكم في هذا ، إن شاء الله تعالى .

أجمع المسلمون أن للرجل أن يسافر إلى حيث أحب ، وإن طال سفره ذلك ، وليس معه أحد من نسائه ، وأن حكم القسم يرتفع عنه بسفره .

فلما كان ذلك كذلك ، كانت قرعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائه ، في وقت احتياجه إلى الخروج بإحداهن ؛ لتطيب نفس من لا يخرج بها منهن ، وليعلم أنه لم يحاب التي خرج بها عليهن ؛ لأنه لما كان له أن يخرج ويخلفهن [ ص: 384 ] جميعا ، كان له أن يخرج ويخلف من شاء منهن .

فثبت بما ذكرنا أن القرعة إنما تستعمل فيما يسع تركها ، وفيما له أن يمضيه بغيرها .

ومن ذلك الخصمان يحضران عند الحاكم ، فيدعي كل واحد منهما على صاحبه دعوى .

فينبغي للقاضي أن يقرع بينهما ، فأيهما قرع ، بدأ بالنظر في أمره ، وله أن ينظر في أمر من شاء منهما بغير قرعة .

فكان الأحسن به ؛ لبعد الظن به في هذا استعمال القرعة ، كما استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نسائه .

وكذلك عمل المسلمون في أقسامهم بالقرعة ، فيما قد عدلوه بين أهلهم ، بما لو أمضوه بينهم ، لا عن قرعة ، كان ذلك مستقيما .

فأقرعوا بينهم ؛ لتطمئن قلوبهم ، وترتفع الظنة ، عمن تولى لهم قسمتهم .

ولو أقرع بينهم على طوائف من المتاع الذي لهم ، قبل أن يعدل ويسوي قيمته على أملاكهم منه ، كان ذلك القسم باطلا .

فثبت بذلك أن القرعة إنما فعلت بعد أن تقدمها ما يجوز القسم به ، وأنها إنما أريدت لانتفاء الظن ، لا بحكم يجب بها .

فكذلك نقول : كل قرعة تكون مثل هذا ، فهي حسنة ، وكل قرعة يراد بها وجوب حكم ، وقطع حقوق متقدمة ، فهي غير مستعملة .

ثم رجعنا إلى القولين الآخرين ، فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم في العبد ، إذا كان بين اثنين ، فأعتقه أحدهما ، فإنه حر كله ، ويضمن إن كان موسرا ، أو إن كان معسرا .

ففي ذلك من الاختلاف ما ذكرناه في كتاب العتاق .

ثم وجدنا في حديث أبي المليح الهذلي ، عن أبيه ، أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو حر كله ليس له شريك .

فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العلة التي لها عتق نصيب صاحبه .

فدل ذلك أن العتاق متى وقع في بعض العبد انتشر في كله .

وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في العبد بين اثنين ، إذا أعتقه أحدهما ، ولا مال له ، يحكم عليه فيه بالضمان بالسعاية على العبد ، في نصيب الذي لم يعتق .

فثبت بذلك أن حكم هؤلاء العبيد في المرض كذلك ، وأنه لما استحال أن يجب على غيرهم ضمان ما جاوز الثلث الذي للميت ، أن يوصي به ، ويملكه في مرضه من حب من قيمتهم ، وجب عليهم السعاية في ذلك للورثة .

وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية