صفحة جزء
المزارعة

أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على معنيين :

أحدهما : أن تجوز المعاملة في النخل على الشيء مما يخرج منها وذلك اتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأصل موجود يدفعه مالكه إلى من عامله عليه أصلا يتميز ليكون للعامل بعمله المصلح للنخل بعض الثمرة ولرب المال بعضها ، وإنما أجزنا المقارضة قياسا على المعاملة على النخل ووجدنا رب المال يدفع ماله إلى المقارض يعمل فيه المقارض فيكون له بعمله بعض الفضل الذي يكون في المال المقارضة لولا القياس على السنة والخبر عن عمر وعثمان رضي الله عنهما بإجازتها أولى أن لا تجوز من المعاملة على النخل ، وذلك أنه قد لا يكون في المال فضل كبير ، وقد يختلف الفضل فيه اختلافا متباينا وأن ثمر النخل قلما يتخلف وقلما يختلف ، فإذا اختلفت تقارب اختلافها ، وإن كانا قد يجتمعان في أنهما مغيبان معا يكثر الفضل فيهما ويقل ويختلف .

وتدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا تجوز المزارعة على الثلث ، ولا الربع ، ولا جزء من أجزاء وذلك أن المزارع يقبض الأرض بيضاء لا أصل فيها ، ولا زرع ثم يستحدث فيها زرعا والزرع ليس بأصل والذي هو في معنى المزارعة الإجارة ، ولا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يعمل له شيئا إلا بأجر معلوم يعلمانه قبل أن يعمله المستأجر لما وصفت من السنة وخلافها للأصل والمال يدفع ، وهذا إذا كان النخل منفردا والأرض للزرع منفردة .

ويجوز كراء الأرض للزرع بالذهب والفضة والعروض كما يجوز كراء المنازل وإجارة العبيد والأحرار ، وإذا كان النخل منفردا فعامل عليه رجل وشرط أن يزرع ما بين ظهراني النخل على المعاملة وكان ما بين ظهراني النخل لا يسقى إلا من ماء النخل ، ولا يوصل إليه إلا من حيث يوصل إلى النخل كان هذا جائزا وكان في حكم ثمرة النخل ومنافعها من الجريد والكرانيف ، وإن كان الزرع منفردا عن النخل له طريق يؤتى منها ، أو ماء يشرب متى شربه لا يكون [ ص: 13 ] شربه ريا للنخل ، ولا شرب النخل ريا له لم تحل المعاملة عليه وجازت إجارته وذلك أنه في حكم المزارعة لا حكم المعاملة على الأصل وسواء قل البياض في ذلك ، أو كثر .

فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ، وهذا مزارعه ؟ قيل : كانت خيبر نخلا وكان الزرع فيها كما وصفت فعامل النبي صلى الله عليه وسلم أهلها على الشطر من الثمرة والزرع ونهى في الزرع المنفرد عن المعاملة فقلنا في ذلك اتباعا وأجزنا ما أجاز ورددنا ما رد وفرقنا بفرقه عليه الصلاة والسلام بينهما وما به يفترقان من الافتراق ، أو بما وصفت فلا يحل أن تباع ثمرة النخل سنين بذهب ، ولا فضة ، ولا غير ذلك .

( أخبرنا ) ابن عيينة عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين } ( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ( أخبرنا ) سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول : نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معلومة .

( قال الشافعي ) : وإذا اشترك الرجلان من عند أحدهما الأرض ومن عندهما معا البذر ومن عندهما معا البقر أو من عند أحدهما ثم تعاملا على أن يزرعا ، أو يزرع أحدهما فما أخرجت الأرض فهو بينهما نصفان ، أو لأحدهما فيه أكثر مما للآخر فلا تجوز المعاملة في هذا إلا على معنى واحد أن يبذرا معا ويمونان الزرع معا بالبقر وغيره مؤنة واحدة ويكون رب الأرض متطوعا بالأرض لرب الزرع ، فأما على غير هذا الوجه من أن يكون الزارع يحفظ أو يمون بقدره ما سلم له رب الأرض فيكون البقر من عنده أو الآلة ، أو الحفظ ، أو ما يكون صلاحا من صلاح الزرع فالمعاملة على هذا فاسدة فإن ترافعاها قبل أن يعملا فسخت ، وإن ترافعاها بعدما يعملان فسخت وسلم الزرع لصاحب البذر ، وإن كان البذر منهما معا فلكل واحد منهما نصفه ، وإن كان من أحدهما فهو للذي له البذر ولصاحب الأرض كراء مثلها ، وإذا كان البقر من العامل ، أو الحفظ ، أو الإصلاح للزرع ولرب الأرض من البذر شيء أعطيناه من الطعام حصته ورجع الحافظ وصاحب البقر على رب الأرض بقدر ما يلزم حصته من الطعام من قيمة عمل البقر والحفظ وما أصلح به الزرع فإن أرادا أن يتعاملا من هذا على أمر يجوز لهما تعاملا على ما وصفت أولا ، وإن أرادا أن يحدثا غيره تكارى رب الأرض من رب البقر بقره وآلته وحراثه أياما معلومة بأن يسلم إليه نصف الأرض ، أو أكثر يزرعها وقتا معلوما فتكون الإجارة في البقر صحيحة ; لأنها أيام معلومه كما لو ابتدئت إجارتها بشيء معلوم ويكون ما أعطاه من الأرض بكراء صحيح كما لو ابتدأ كراءه بشيء معلوم .

ثم إن شاءا أن يزرعا ويكون عليهما مؤنة صلاح الزرع مستويين فيها حتى يقسما الزرع كان هذا جائزا من قبل أن كل واحد منهما زرع أرضا له زرعها ويبذر له فيها ما أخرج ، ولم يشترط أحدهما على الآخر فضلا عن بذره ، ولا فضلا في الحفظ فتنعقد عليه الإجارة فتكون الإجارة قد انعقدت على ما يحل من المعلوم وما لا يحل من المجهول فيكون فاسدا .

قال : ولا بأس لو كان كراء الأرض عشرين دينارا وكراء البقر دينارا أو مائة دينار فتراضيا بهذا كما لا يكون بأس بأن أكريك بقري وقيمة كرائها مائة دينار بأن يخلى بيني وبين أرض أزرعها سنة قيمة كرائها دينار ، أو ألف دينار ; لأن الإجارة بيع ، ولا بأس بالتغابن في البيوع ، ولا في الإجارات ، وإن اشتركا على أن البقر من عند أحدهما والأرض من عند الآخر كان كراء الأرض ككراء البقر ، أو أقل والزرع بينهما فالشركة فاسدة حتى يكون عقدها على استئجار البقر أياما معلومة وعملا معلوما بأرض معلومة ; لأن الحرث يختلف فيقل ويكثر ويجود ويسوء ، ولا يصلح إلا بمثل ما تصلح به الإجارات على الانفراد ، فإذا زرعا على هذا والبذر من عندهما فالبذر بينهما نصفان ويرجع [ ص: 14 ] صاحب البقر على صاحب الأرض بحصته من الأرض بقدر ما أصابها من العمل ويرجع صاحب الأرض على صاحب الزرع بحصة كراء ما زرع من أرضه قل أو كثر الزرع ، أو عل ، أو احترق فلم يكن منه الشيء

التالي السابق


الخدمات العلمية