صفحة جزء
( قال الشافعي ) فإن أعطى رجل رجلا شيئا ليشتري له شيئا بعينه فاشترى له ذلك الشيء وغيره بما أعطاه ، أو أمره أن يشتري له شاة فاشترى شاتين ، أو عبدا فاشترى عبدين ففيها قولان : أحدهما أن صاحب المال بالخيار في أخذ ما أمر به وما ازداد له بغير أمره ، أو أخذ ما أمره به بحصته من الثمن والرجوع على المشتري بما يبقى من الثمن وتكون الزيادة التي اشترى للمشتري ، وكذلك إن اشترى بذلك الشيء وباع والخيار في ذلك إلى رب المال ; لأنه بماله ملك ذلك كله وبماله باع ، وفي ماله كان الفضل ، والقول الآخر أنه قد رضي أن يشتري له شيئا بدينار فاشتراه وازداد معه شيئا فهو له فإن شاء أمسكه ، وإن شاء وهبه ; لأن من رضي شيئا بدينار فلم يتعد من زاده معه غيره ; لأنه قد جاء بالذي رضي وزاده شيئا لا مؤنة عليه في ماله ، وهو معنى قول الشافعي . وقال بعض الناس في الدابة يسقط الكراء حيث تعدى ; لأنه ضامن ، وقال في المقارض إذا تعدى ضمن وكان له الفضل بالضمان ، ولا أدري أقال : يتصدق به أم لا ؟

( قال الشافعي ) وقال في الذي اشترى ما أمره به وغيره معه للآمر ما أمره به بحصته من الثمن وللمأمور ما بقي ، ولا يكون للآمر بحال ; لأنه اشترى بغير أمره

( قال الشافعي ) فجعل هذا القول بابا من العلم ثبته أصلا قاس عليه في الإجارات والبيوع والمقارضة شيئا أحسبه لو جمع كان دفاتر ( قال الشافعي ) فقيل لبعض من قال هذا القول : قد زعمنا وزعمتم أن الأصل من العلم لا يكون أبدا إلا من كتاب الله تعالى ، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعضهم ، أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء في الأمصار فهل قولكم هذا واحد من هذا ؟ قال : لا قيل : فإلى أي شيء ذهبتم فيه ؟ قال : قال شريح في بعضه قلنا قد رددنا نحن وأنتم هذا الكلام وأكثرنا أتزعمون أن شريحا حجة على أحد إن لم يقله إلا شريح ؟ قال : لا ، وقد نخالف شريحا في كثير من أحكامه بآرائنا : قلنا ، فإذا لم يكن شريح عندكم حجة على الانفراد فيكون حجة على خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 34 ] أو على أحد من أصحابه ؟ قال : لا وقال : ما دلكم على أن الكراء والربح والضمان قد يجتمع ؟ فقلنا لو لم يكن فيه خبر كان معقولا وقلنا دلنا عليه الخبر الثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عمر والخبر عندكم الذي تثبتونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) : ولو كان ما قالوا من أن من ضمنت له دابته ، أو بيته ، أو شيء من ملكه لم يكن له إجارة ، أو ماله لم يكن له من ربحه شيء كانوا قد أكثروا خلافه .

( قال الشافعي ) وهم يزعمون أن رجلا لو تكارى من رجل بيتا لم يكن له أن يعمل فيه رحى ، ولا قصارة ، ولا عمل الحدادين ; لأن هذا مضر بالبناء فإن عمل هذا فانهدم البيت فهو ضامن لقيمة البيت ، وإن سلم البيت فله أجره ، ويزعمون أن من تكارى قميصا فليس له أن يأتزر به ; لأن القميص لا يلبس هكذا فإن فعل فتخرق ضمن قيمة القميص ، وإن سلم كان له أجره ويزعمون أنه لو تكارى قبة لينصبها فنصبها في شمس ، أو مطر ، فقد تعدى لإضرار ذلك بها فإن عطبت ضمن ، وإن سلمت فعليه أجرها مع أشياء من هذا الضرب يكتفى بأقلها حتى يستدل على أنهم قد تركوا ما قالوا ودخلوا فيما عابوا مما مضت به الآثار ومما فيه صلاح الناس .

( قال الشافعي ) : وأما ما قالوا : الحيلة يسيرة لمن لا يخاف الله أن يعطى مالا قراضا فيغيب به ويتعدى فيه فيأخذ فضله ويمنعه رب المال ويتكارى دابة ميلا فيسير عليها أشهرا بلا كراء ، ولا مؤنة إن سلمت قال قائل منهم : إنا لنعلم أن قد تركنا قولنا حيث ألزمنا الضمان والكراء ، ولكنا استحسنا قولنا ، قلنا : إن كان قولك عندك حقا فلا ينبغي أن تدعه ، وإن كان غير حق فلا ينبغي أن تقيم على شيء منه فما الأحاديث التي عليها اعتمدتم ؟ قلنا لهم : أما أحاديثكم ، فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن شبيب بن غرقدة أنه سمع الحي يحدثون عن عروة بن أبي الجعد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له به شاة ، أو أضحية فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا لربح فيه } .

( قال الشافعي ) وروى هذا الحديث غير سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة فوصله ويرويه عن عروة بن أبي الجعد بمثل هذه القصة أو معناها .

( قال الشافعي ) فمن قال له جميع ما اشترى له بأنه بماله اشترى فهو ازدياد مملوك له قال : إنما كان ما فعل عروة من ذلك ازديادا ونظرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظره وازدياده واختار أن لا يضمنه وأن يملك ما ملك عروة بماله ودعا له في بيعه ورأى عروة بذلك محسنا غير عاص ، ولو كان معصية نهاه ، ولم يقبلها ، ولم يملكها في الوجهين معا

التالي السابق


الخدمات العلمية