صفحة جزء
( قال الشافعي ) وعلف الدواب والإبل على الجمال أو مالك الدواب فإن تغيب واحد منهما فعلف المكتري فهو متطوع إلا أن يرفع ذلك إلى السلطان ، وينبغي للسلطان أن يوكل رجلا من أهل الرفقة بأن يعلف ويحسب ذلك على رب الدابة والإبل ، وإن ضاق ذلك فلم يوجد أحد غير الراكب فإن قال قائل : يأمر الراكب أن يعلف ; لأن من حقه الركوب والركوب لا يصلح إلا بعلف ويحسب ذلك على صاحب الدابة ، وهذا موضع ضرورة ولا يوجد فيه إلا هذا ; لأنه لا بد من العلف وإلا تلفت الدابة ، ولم يستوف المكتري الركوب كان مذهبا .

( قال الشافعي ) وفي هذا أن المكتري يكون أمين نفسه وإن رب الدابة إن قال : لم يعلفها إلا بكذا وقال الأمين علفتها بكذا لأكثر فإن قبل قول رب الدابة في ماله سقط كثير من حق العالف ، وإن قيل : قول المكتري العالف كان القول قوله فيما يلزم غيره ، وإن نظر إلى علف مثلها فصدق به فيه ، فقد خرج مالك الدابة والمكتري من أن يكون القول قولهما ، وقد ترد أشباه من هذا في الفقه فيذهب بعض أصحابنا إلى أن لا قياس وأن القياس ضعيف ، وقد ذكر في غير هذا الموضع ويقولون يقضي فيما بين الناس بأقرب الأمور في العدل فيما يراه إذا لم يجد فيه متقدم من حكم يتبعه .

( قال الشافعي ) فيعيب هذا المذهب بعض الناس ويقول لا بد من القياس على متقدم الأحكام ثم يصير إلى أن يكثر القول بما عاب ويرد ما يشبه هذا فيما يرى رده من كره الرأي فإن جاز أن يحكم فيه بما يكون عدلا عند الناس فيما يرى الحاكم فهو مذهب أصحابنا في بعض أقاويلهم ، وإن لم يجز ، فقد يترك أهل القياس القياس فيكون والله أعلم فمن ذهب مذهب أصحابنا حمل الناس على أكثر معاملتهم وعلى الأقرب من صلاحهم وأنفذ الحكم على كل أحد من المتنازعين بقدر ما يحضره مما يسمع من قضيتهما مما يشبه الأغلب ومن ذهب مذهب القياس أعاد الأمور إلى الأصول ثم قاسها عليها وحكم لها بأحكامها ، وهذا ربما تفاحش .

التالي السابق


الخدمات العلمية